قراءة كتاب البردويل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البردويل

البردويل

كتاب " البردويل " ، تأليف عبدالله هلال ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

سمع لغط رجال، تدلى من على سطح الغرفة فسيثير الريبة وجود رجل على سطح غرفة غير مسكونة، التجأ إلى ظل المدخل لحظة دخول رجلٍ إلى الحوش وهو يرفع ثوبه متعجلاً في حين تفرّق الآخرون إلى منازلهم مسرعين! ارتجف من الخوف، تبادلا السؤال،
- (انتي أحمد المعطي)
- (وانتي أنس الشركسي)
- (أيوه أنا انس، كويس إنك تذكرتني)
- (تذكرتك، رغم قلة معرفتي فيك، إنتي جيت عالجمّارة، وأنا طلعت منَّا، صارت الجمّارة مطلب لكل الناس يا حسرة)
حاول أن يبعد ذهن أنس عن أي تساؤل عن سبب وقوفه في هذا المكان في هذا الليل. أنس كان على درجة من البراءة والصدق تحاكي براءة الأطفال فلم يرتب بشيء واعتقد أن أحمد قد قدم لزيارة أهله واضطر للتوقف هنا لقضاء حاجة.
طرق أنس باب منزل مواجه لمكان وقوف أحمد، نادى زوجته فخرجت واتجها إلى منزلهما. رافقهما كلب بنباح ملح، كأنما الكلاب تعرف منْ هو غريب عن الجمّارة!
ظهر ضوء شاحنة استدارت قرب المكان، كشف نورها كل جسم في المدخل، هبط أحمد بين ركام المدخل وما يتكدس فيه من أحجار ونفايات. تفحص بناءً قريباً قام على أرضٍ كانت أيضاً مكب نفايات، وأصبح سكناً لخيرة العائلات، كعائلة أنس، ومن جاء مهاجراً إلى الجمّارة، سيكون لهذا الحوش أكثر مما كان من قيمة للأرض..! قد أراه بعد سنوات يضم بناءً شامخاً من عدة طوابق، ويكون البردويل مالك هذا البناء... كلا هذا لن يكون، اليوم يتحدد المالك الحقيقي لهذا الحوش، بعد تصفية حسابي معك يا بردويل الكلب...!
يا لك من جمّارة تنسى ماضيها، كفتاةٍ تنسى منزل أبويها بعد مغادرتها إلى بيت زوجها، أأنت جمّارة السنين التي خلت؟ تتحولين إلى مدينة يقصدها المهاجرون!! يرتفع سعر العقارات فيها مئة ضعف، تكتظ ساحتها بالشاحنات والحافلات والسيارات، وتحوي محلاتها كل أنواع الثياب غالية الثمن، والفواكه المنتقاة، والهواتف، والكهربائيات وكل الكماليات؟! يا لك من جمّارة قليلة الإحساس، تتخلى عن ماضيها، وتندفع بسرعة جنونية إلى مستقبلها، لقد انقطع حبل التواصل، بين الماضي والحاضر، لسرعة السير أو القفز باتجاه الغد، مهلاً أيتها الجمّارة!
ها قد (عصرن الليل)، إنّ لليل ضحى كما للنهار ضحى، وأنا منذ ضحى هذا الليل حتى عصره أنتظر في الصقيع، تعبت عيناي من التحديق حتى سال دمعهما ولسعت البرودة سطح بؤبؤيهما، أشعر بملامسة الصقيع للبؤبؤين مباشرة. أُشعل ضوء غرفة الثريي، إنه أسعد...أسعد الجربوع!! أيستحق الثريي هذا الجربوع؟ الثريي التي تتفوق على كل نساء الجمّارة بجمالها، ويتفوق هو على كل رجال الجمّارة بتفاهته، كان ضعيفاً يسخر منه الفتيان في المدرسة وفي الحي، لم يكن يخطر ببال مخلوق أن تؤول الثريي إلى هذا الجربوع!
لماذا تحاصرني الثنائيات، أسعد التافه، وثريي الفاتنة، الثريي في الأرض، والثريا في السماء، سعاد والبردويل، الماء والتراب، الخير والشر، الظلم والعدل.. العدل... هل لي أن أضع العدل مقابلاً للظلم والعدل غير موجود أصلاً! لا بأس.. الظلم والمظلوم.. الليل والنهار، الصدق والكذب...؟!
اقتلع نفسه من بين أفكاره وعاد ليرقب المكان، هنا عينان وفي الزعفرانة عينان، وكلاهما لم يعرف النوم...
هدأت أصوات الجمّارة، لم يبق سوى صوت نباح الكلاب، أو صوت شاحنةٍ أو درّاجة يخترق صمت المكان، نظر إلى السماء وتأكد أنّ ثعبان هذا الليل قد انسلَّ ولم يبق منه سوى ذنبه، انسلَّ فهذه الثريا قد وصلت إلى قبة السماء، وذاك الميزان قد ارتفع حتى بلغ مكان الشمس عند الضحى، بدأ يشعر بالضجر، أين هو البردويل، ابتعد عن مدخل الحوش بحثاً عن الصبر، وقد بدا يحس باختراق البرودة حتى عصب عظامه، انتبه إلى دمع عينيه، هل بسبب القرِّ؟ أم بسبب مشاعره التي بدأت تستدرجه للبكاء..! كثيراً ما يشعر بحنينٍ إلى البكاء! ارتج لسماع صوتٍ قريب،
- (مين هاد؟)
- (أنا.. أنا..)
إنه صوت البردويل، امتزج شعور الخوف مع شعور الغضب، التفت واتجه نحو الشبح وتابع،
- (أنا أحمد)
- (إنتي أحمد المعطي؟)
- (إي صديقك وصهرك، أشو نسيت يا حمود الراعي؟)
تلمس البردويل، بأعصاب أذنيه وعقله، صدق نبرة أحمد التي تؤكد أنه عازمٌ على فعل، ابتعد خطوة إلى الخلف، ومدّ يده تحت فروته يبحث عن المسدس، كان أحمد يتوقع من البردويل استخدام مسدسه قبل أن تدعوه الحاجة، كالحرب الاستباقية، تحرك بسرعة وخفة فاجأته هو نفسه، كانت مديته أسبق إلى ذراع البردويل اليمنى، سقط المسدس على الأرض من يد البردويل ليبقى أعزل من السلاح، ويظهر على حقيقته؟! مشلولاً من الخوف وعيناه معلقتان بالمدية المشهرة،
- (أحمد نحنا صدقات)
- (هلق لعرفت نحنا صدقات)
- (أنتي مسلَّح وأنا اعزل)
- (كنت مسلِّح وأسم الله عليك)
- (أحمد أرجوك أنو تحكِّم عقلك، نحنا نسايب وكنا صدقات)
- (حكَّمت عقلي)
- (وأشو طلع معك)
- (ثأري، وإرثي)
- (إرثك! انتي!؟)
- (إرث سعاد هو إرثي)
- (سعاد أختي، خليها هي اللي تطلب)
- (طلبت منك وما رديت عليها)
- (ما عليش، تطلب هلّق)
- (بتوافق إذا طلبت)

Pages