كتاب " البردويل " ، تأليف عبدالله هلال ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب البردويل
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
البردويل
- (لكا؟)
- (أنا سمعت من البديوي أنو هي خايفة وقلقاني)
- (وليش ما شفتا؟)
-(ياخي شلون بدي شوفا وهي أخت البردويل اللي طعنتو وع بيقولوا إيدو بيجوز تنشل)
- (بس أنا جوز سعاد وإن كان البردويل أخوها هي معي)
- (أنا ما بحسن شوف غير أنو هيي أخت البردويل، وخلص)
تدخلت مريم بسرعة،
- (يقطعك الله ما أوخفك، يوال متعينك، ياربي أشو هالعلقة اللي علقتني إياها، مع هيك زلمي)
لم ينبس محمود ببنت شفةْ وتدلى رأسه بين كتفيه، في حين نظرت مريم إلى أحمد،
- (ولا يهمك بكرة ببعتو ع الزعفرانة يشوف سعاد ويرجع يطمّنك عليها، بس إنتي لا تقلق، خلينا نسهر وننبسط)
نام الأطفال ووالدهم، وقامت مريم تتصنّع أنّ وقتاً طويلاً قد فات، وأنساها أن تجدّد الضيافة، وعادت لتشير إلى أنّ بلاهة زوجها وغباءه هما السبب، فقد أغضبها بعدم مروره على منزل أحمد، والاطمئنان على زوجه، فأنساها دقتها في تقديم الضيافة المتلاحقة لضيف عزيز، وكأنما تريد أنْ تؤكد له أنها صاحبة تقدير ليس لأحمد فقط، بل لأي كان في ظرف ٍ كظرف أحمد. على أنها وجدتها مسوّغاً لإبدال ثيابها خاصةً بعد أنْ أرختْ منظم وقود المدفأة فتدفق الوقود حتى التهب جوف المدفأة واحمرّت وجنتاها. قدمت له الشاي وهي منحنيةٌ للأمام، وثدياها يتحدثان عن مشاعرها الملتهبة كالتهاب جوف مدفأةٍ في ليل شديد البرد،
- (خود من إيدي الجاي)
مدّ يده دون أنْ يرفع رأسه أو يمدّ نظره، تابعت:
- (إلاّ بتاخد رضعة قبل الجاي؟ هه شوف جاهزات للرضاعة يا حبيبي)
خلطت الجد بالهزل، إذ لم تعد تطيق استمرار تجاهله لعروضها،
- (مريم أنا بدي اطلع عالسطوح)
بمفاجأة من جفل من عفريت قالت:
- (ليش؟ يوه!! خير انشاالله، أشو في؟ ماع بتقبل تحكي معي أو...)
سبقها قبل أنْ تضيف،
- (ضروري مراقبة أي سيارة جيي عالعامرية، بيجوز فيها شرطة)
انخفضت حدة غضبها ومفاجأتها بشكل كبير كرغوة الحليب إذ اقتنعت أنّ تخوفه هذا قد يكون له ما يسوغه حقاً، قد تأتي سيارة الشرطة إلى قرب منزلها، وتباغتهم، ويلقي رجال الشرطة القبض عليه، وفي الوقت ذاته شككّت في صدق حجته، ربما هو يحاول أن يتخلص منها، ومن إلحاحها الذي لم يجد منه فكاكاً، وعيي عن ردّ الجواب لحزمةٍ التحرشات التي ما فتئت تهاجمه بها.
صعد إلى سطح المنزل لكنها ما لبثت أن لحقت به. اقتربت منه بحركات مترددة، كانت تحمل بعض المكسرات والشاي، وقفت قبالته وهي لا تزال في ترددها، هل صعوده إلى السطح هرب مني، أم هو حقاً يرصد ما حول البيت؟ قررت أن تلقي حمولتها دفعة واحدة.
- (ما بردت؟ بجبلك كليم زيادي مع الفروي؟)
وأمسكت بيديه تتلمس برودتهما،
- (هيي!! إيديك مسقعات، حطن بحرجي ليدفوا)
وسحبت يده باتجاه بطنها، لا بد الآن من التصريح بالرفض أو الموافقة.
- (مريم أنا متوتر، إن كان مشان الشرطة، وإن كان مشان ولادي ومرتي)
- (يا خيِّ إن كنّا متوترين أو هاديين بيختلف وضع مرتك في الزعفرانة؟ هاي فرصة أحمد، نحنا التنين بحاجة إلا)
- (مريم، جوزك آواني ببيتو)
- (ليش هادا جوز؟)
-(وأخوكي البديوي من أعز أصدقائي، وهوّ اللي عرفني عليكن)
- (وهو اللي حببني فيك، وإن كان بدون قصد)
- (أرجوك أنا..)
قبل أن يكمل، أطلقت الطلقة الأخيرة، خلعت ثيابها فجأة وبسرعة بهلوانية وقفت أمامه عارية في ليلةٍ بردها قارس، حاولت أن تنقضّ عليه، رفض الاستسلام. شعرت بمقدار إهانتها وشعر هو بمقدار غضبها ونزلت من على السطح تجرّ خيبتها.
لم يعد يستطيع البقاء في المنزل وهناك قنبلة لا يعرف متى قد تنفجر، ولا يعرف مدى قوة انفجارها، ولا يستطيع أيضاً مغادرة المنزل إلى منزل آخر. لم يملك إلا أن يشرد بمقارنة حرارة جسم مريم بسبب رغبتها، وحرارة جسمه هو ليلة أمس وهو ينتظر البردويل، كلاهما كان جسمه ينبض بحرارة تغلبت على الطقس البارد، حرارة الخوف عنده، وحرارة الشبق عند مريم، ما هذا التشابه أو التضاد، لم يعرف مقدار حرارة مريم لكنّه يعرف كم كانت حرارته ليل أمس، لعل حرارة الجنس أكثر غلياناً من حرارة الخوف، لقد تعرت امرأة أمامه على السطح وحرارة الطقس سبع درجات تحت الصفر...!
في غمرة تزاحم أفكاره حول الدافع إلى عرض مريم لجسمها عارياً، وحول ما عاناه ليلة أمس، وفي غمرة اضطراب أفكاره كان يتابع مريم وهي تبتعد عن عينيه ببطء حتى غابت تماماً وهي نازلة من السطح دون أن تلتفت إلى من خلفها، يمكنه أن يتوقع مقدار حنقها وغيظها، لكنه لم يستطع أن يحدد ما الذي ستفعله، وما الذي سيحل بها من جراء هذا الخزي الذي غطى شخصيتها كغيمةٍ واطئة دكناء لا تسمح برؤية منْ في داخلها!!
وقف على السطح يمسح المكان بنظره، وهو يكاد لا يرى أية تفاصيل، كان في غاية من الحزن والخجل لما تسبب به لامرأة ٍ استقبلته في منزلها وأغدقت عليه كرمها.
لم يعد يطيق البقاء، كما لم يعد يتمكن من النزول، وهي لم تنم بعد وجرحها ينزف كلبوءةٍ جريحة، حاول الانتظار بعض الوقت عسى أنْ تكون قد هدأت قليلاً، ربما بما يكفي لكي لا تزعق في وجهه إنْ رأته في غرفته الدافئة،
- (لسع جاي لهون، رجاع عالسطوح لحتى تجمد، ماو هيك بدك؟)