You are here

قراءة كتاب عين الشلال

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عين الشلال

عين الشلال

كتاب " عين الشلال " ، تأليف د. إبارهيم فضل الله ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

وتمرّ الأيام... وتشن الطائرات الحربية الإسرائيلية غاراتها على تجمعات هؤلاء الأطفال... وتتناثر في الهواء حجارة الحائط الذي كانوا يلعبون خلفه... وهم كانوا يعتقدونه موقعاً حصيناً يحميهم من غدر القصف المعادي... غير أن هذا الحائط كان يحتاج إلى من يحميه... فقد عجز عن الدفاع عن نفسه وعنهم... ولم يستطع منع الصواريخ من أذيتهم... فقد أصابت هذه الصواريخ جذع الشجرة الباسقة... فسقط منها بعض الأغصان، إلّا أن الصواريخ لم تستطع أن تحني تلك السروة التي بقيت تمخر عباب الفضاء... بعلوها وشموخها... وأسفرت الغارة الجويّة، عن مقتل طفلين من رفاقه، وجرح عشرة منهم... وطار هو إلى الجلّ، ثم هوى على البحصاصة فانكسرت يده... وعاد وحيداً إلى بيته تحت القصف والشظايا التي تتناثر حوله، والرعب يطلّ من عينيّه... وكالعادة لم يجد سوى حضن أمه... الذي كان ملاذه الآمن وحصنه المنيع...

ما زالت تحفر في ذاكرته تلك القذائف التي هرب منها إلى زاوية تحت الحائط، حيث انفجرت خزانة الثياب الوحيدة في الغرفة، تحت تأثير قذيفة دخلت إلى المنزل دون أن تحتاج إلى قرع باب الدار... هذا الباب الذي لفظ خشبه قطعاً ملتهبة... وقد تشابكت قطع خشب الباب مع خشب الخزانة... هذا الخشب الذي تشظى بقايا صغيرة... ولم يعلم من أين دخلت إلى بطنه تلك البقايا من الخشب، وتركت آثارها في جسده... وبقي زمناً طويلاً يتساءل:

ـ هل أتت من خشب الباب؟ أم من خشب الخزانة!!...

وإلى اليوم لم يصل إلى جواب.... وأيقن بعد ذلك، أن وسائل الحماية التي كانت تبتكرها أمه لم تستطع منع الشظايا من إصابته... فقد فشلت كل سواتر الطراريح والحرامات واللحف... التي اصطفت على زجاج النوافذ وخلف الأبواب كي تصد شظايا القذائف وشقفات الزجاج وبقايا الحجارة وشذرات الخشب.... كما لم تنفع المخدّات ومساند القش التي كانت تحيطه بها كي لا تصيبه تلك الشظايا...

ولما عجزت وسائل الحماية كلها داخل هذه الغرفة، اتجه إلى دفاعات خارجية... فالهجوم أفضل وسيلة للدفاع... ولهذا هجم على هذه القذائف يتحداها ويواجهها خارج الغرفة، وتفتقت عبقريته عن فكرة بادر إلى تنفيذها على الفور... فقام بجمع حجارة الحاكورة وشقعها أمام الباب... وسألته أمه:

ـ ماذا تفعل بهذه الحجارة؟

ـ سأبني سداً يمنع الشظايا من الدخول إلى البيت...

وهكذا أقام أمام الباب، بحوالى نصف متر، حائطاً من الحجارة الغشيمة، المنتقاة من الحاكورة... وأصبح مدخل الدّار خندقاً بين طرفي الباب وحائط الحجارة...

ثم تراه أمه في جنينة البيت وهو يتصبب عرقاً:

ـ ماذا تفعل؟

ـ أحفر ملجأ في الجنينة كي نحتمي فيه أثناء القصف...

ولم تكن وسائل الحماية هذه، التي ابتدعها، أفضل نفعاً من تلك التي ابتدعتها عبقرية أمه... وبالتالي فلا نفعت وسائله ولا نفعت وسائلها، ولا نفعت أية وسيلة من وسائل الحماية التي كانت تبتدعها عقول الفلاحين في ضيعته... هذه البلدة التي كانت تعيش في مسيرة نزوح دائم... هذا الرحيل المستمر مثّل الوسيلة الفضلى التي لجأ إليها هو وأهل بلدته، من أجل اتقاء شرّ الصواريخ والحمم التي كانت تمطرها المدفعية وترميها الطائرات الإسرائيلية على رؤوس الأهالي الآمنين، من الرجال والنساء والأطفال... لقد عايش سمير هذا الهروب هو وأمه فكانا يفرّان باستمرار من هذا القصف الإسرائيلي، مذعورين هائمين في الليالي المعتمة المخيفة، يجوبان البراري والوديان... وكم نصبا تلك الخيمة من الحرامات وشراشف البيت، كي يناما تحت ظلها على التراب والحصى... يرتجفان من البرد القارس في ليالي الشتاء الباردة، ويرتعبان من أصوات الحيوانات المتوحشة المفترسة، التي كانت في بعض الأحيان تقضي الليل كله تجوب الوادي حول خيمتهما... وكم قضى ليل الرحيل هذا دون أن يغمض له جفن... يرتجف جسده خوفاً وينخلع قلبه رعباً كلما سمع أصوات هذه الوحوش التي كان يتخيلها قادمة إليه لتأكله...

استعاده من هذه الذكريات، صوت سمعه:

ـ إصعد يا سمير نشرب الشاي سوياً....

إنّه صوت حبيب الذي أعاده إلى واقعه، ولم ينتبه إلى أنه قطع كل هذه المسافة من بيته إلى حيث وجد نفسه في الطرف الشمالي للبلدة، على هضبة "كرم السماق" حيث منزل صديقه "حبيب"، ويعود إليه الصوت مجدداً:

ـ إصعد... الشاي على النار.

ـ إفتح البوابة وخذ لي طريقاً، فأنا آتٍ.

وصعد في طريق مستقيم حتى وصل إلى بيت حبيب، وكانت والدة هذا الأخير في حوض النعناع بالقرب من الباب، فاستقبلته بقولها:

ـ أهلاً يا بني، كيف صحة أم سمير؟

ـ بخير وتسلّم عليكِ.

ـ أدخل حبيب في انتظارك.

ـ يا ألله.... مين في هون؟

ـ تفضَّل أنا على "البرندا".

ـ كيفك يا حبيب، شو أخبارك؟

Pages