كتاب " عين الشلال " ، تأليف د. إبارهيم فضل الله ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب عين الشلال
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
عين الشلال
ـ ثم كرر هذه العملية مرتين، وترك سمير في مواجهة الخبز.
ابتسم سمير وقال:
ـ خلص عرفت... شغلة كثير سهلة.
ولم ينته من كلامه حتى سمع قهقهة الفرّان والرجال من بعده.
قرر سمير خوض التحدي وإثبات قدرته على العمل، فهو لا يريد أن يفشل، وأقبل على هذه المستديرات التي تنتفخ كرات صفراء، وقرر أن ينتصر عليها وأن لا يسمح لها بهزيمته، فشدّ من عزيمته وتوجه إلى معركته، مد يديه كما فعل صالح والتقط الكرة الأولى فشعر بسخونة كبيرة، لكنّه تمالك نفسه ورمى بها على اللوح ورمى الثانية فوقها بصعوبة، ولما مد يده ليلتقط الثالثة. صاح:
ـ آخ.
ـ فقال له أبو مشهور:
ـ شو باك؟
ـ حرقت إيدي.
ـ إمسك الرغيف من وسطه.
مدّ سمير يده إلى الرغيف وجذبه بقوة من وسطه المنفوخ فانكسر الرغيف وسقطت يده في داخله، وانشوت شواءً من شدة اللهب المتصاعد من الرغيف الخارج لتوه من بيت النار... فانتفض بقوة صارخاً.
ـ يا ويلي..ي..ي..ي.. شووهاآآآ...
وسمع قهقهة الفرّان والعمال، وعلم أن هذا المعلم يتلاعب به لأنه ما إن وضع يده في وسط الرغيف حتى انفجر مرسلاً لهيباً من النار كانت في داخله، فاحترقت يده حتى كوعه، وسمع معلمه يقول له:
ـ هيك نفَّس الرغيف عليك.
ـ رد سمير، ماشي الحال عملتها بي هذه المرة، واستمر ينفض يده راقصاً من شدة الألم ويزداد حنقه من السخرية التي يلحظها في عيون العمال وتصرفاتهم معه.
فكّر كثيراً في الهرب من هذا الفرن اللعين لكنه كان يعود إلى الإصرار على قضاء هذا الليل مهما كلّفه الأمر، ممنياً النفس بالخروج صباحاً والليرات العشر في جيبه على أن لا يعود إلى هذا المكان نهائياً.
وتابع عمله حتى أصبحت أصابع يديه حمراء ملتهبة، كاظماً ألمه وكاتماً توجعه، الذي أخذ يشتد مع مرور الليل..
ـ شو يا معلم بترمي عليّ جمر أكثر من الخبز.. ليش عم تعمل هيك!! بتكفيني حرارة الخبز اللي عم تحرق ايديّ
ـ الجمر عم يخرج مع الخبز..انت انتبه... جر الرغيف جر على اللوح.
أخذ سمير يجرّ الرغيف جراً فوق اللوح، غير أن هذه الكرات الملتهبة كانت تنفث نار اللهب الذي تحمله في داخلها باتجاه صدره وتحرق ما تيسر لها منه، لأن مستوى صدره كان يقابل علو اللوح الذي يصف عليه الخبز الطازج، ولم تنفع كل أساليب الأذى التي ابتكرها "أبو مشهور" في محاولاته الكثيرة للهزء منه، وللتسلية في هذا الليل الطويل، عبر سماع صرخات الألم من هذا الصبي الذي تآمر عليه هذا الفرّان مع شغيله "صالح" الذي كان يطلب من سمير الإسراع في إنجاز عمله، لعل رغيفاً يصيبه بحروق قوية تجعله يقفز محروقاً من الألم ليضحك "أبو مشهور" وصالح وباقي عمال الفرن، فيخففون عنهم عناء الليل الشاق.
ـ شو يا معلم،توقفت عقارب هالساعة المعلقة على الحائط، شوفها كيف بتمشي مشية سلحفاة عجوز كسيحة... بزماني ما مر عليّ ليل أطول من هذا الليل..مع إني سهران مرات ومرات حتى الصباح، لكني ما شعرت مطلقاً بطول الليل كما أشعر الآن.
ـ كي يمر الوقت ركز في عملك، ولا تفكر بالوقت..