كتاب " محطة أخيرة خارج السياق " ، تأليف ساطع نور الدين ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب محطة أخيرة خارج السياق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

محطة أخيرة خارج السياق
ضياع المستقبل
كأن لبنان فقد قطعة عزيزة من ارضه، جزءا من سيادته، جزءا من استقلاله، جزءا من هويته الوطنية، جزءا من شخصيته الحيوية، والكثير الكثير من مستقبله، ومن حلمه الدائم في ان يصبح دولة مستقرة، مزدهرة، قادرة على البقاء.
كأن لبنان عاد مرة أخرى سنوات عديدة إلى الوراء، ليبدأ من جديد السير نحو المجهول، لكن هذه المرة من دون رجل الدولة الوحيد الذي انتجته الحياة السياسية اللبنانية بصعوبة شديدة، في مرحلة ما بعد الحرب الاهلية، وارتقت به وحده إلى مستويات عربية ودولية لم يسبق لها مثيل.
فجأة ضاع كل شيء تقريبا: الامل في أنّ رفيق الحريري سيعود بعد اشهر إلى السلطة ليكمل أو ليحاول ان يكمل المشروع الذي حمله على الدوام بتحويل لبنان إلى جنة تشبه دبي وتنافسها، وجعله ضرورة مركزا ومرجعا للخريطة الاقتصادية في منطقة الشرق الاوسط.
فجأة ضاع كل شيء تقريبا: لم يعد هناك من نكهة لأي من المعارك السياسية التي كانت دائرة بين الموالاة والمعارضة، لم يعد هناك اي معنى للجدل حول قانون الانتخابات، وربما ايضا لم يعد هناك مبرر لاجراء الانتخابات في موعدها المحدد.
فجأة عاد اسوأ ما في الذاكرة اللبنانية والعربية: البلد الذي كان ولا يزال وسيبقى ساحة مغطاة بالدماء، بدماء ابنائها الابرز الذين طالما شكلوا علامات فارقة في التاريخ اللبناني الذي بدا بالامس قصيرا جدا، خاطفا جدا ، يمكن استعادته واختزاله ببضع صور مماثلة لتلك التي تناقلتها محطات التلفزيون العربية والعالمية من واجهة بيروت البحرية الشهيرة ..
لكن الصورة الاهم التي عادت لتترسخ في الاذهان هي عن البلد الوحشي البربري الذي لا يمكن أن تقوم له قيامة بعد اليوم، والذي لا يستحق ان يلتفت له احد، والذي يفترض ان يخضع وشعبه للحجر وللعلاج حتى يشفى من عيوب وتشوهات جينية، تحتاج إلى اجيال.
وبعد ان تستقر هذه الصورة سيبدأ الحساب العسير من المجتمع الدولي الذي سبق ان ارسل اشارات واضحة عن ضيقه واستيائه من كل ما يتصل بلبنان الذي طال بقاؤه في مرحلة اعادة التأسيس: اعتبارا من اليوم سيكتسب قرار مجلس الامن الرقم 1559 زخما جديدا، ووظيفة جديدة، وقد يؤدي ايضا إلى تدخل دولي مختلف..
كان القرار تحذيرا، وهو سيتحول على الارجح إلى انذار يعيد ترتيب جدول الاعمال الدولي في لبنان، الذي حدده القرار 1559 على عجل، وبناء على واقعة محددة، تبدو اليوم وكأنها نقطة تحول لبنانية واقليمية كبرى.
كان يمكن لرفيق الحريري ان يساهم في درء الكثير من مخاطر القرار 1559، التي كانت افتراضية أو مؤجلة، ومن آثار الكثير من الزلازل الاقليمية الكبرى، ومن عواقب الكثير من الحملات الدولية: غيابه يفقد لبنان الكثير من عناصر مناعته وحصانته وربما ايضا شرعيته.
15/2/2005

