كتاب " محطة أخيرة خارج السياق " ، تأليف ساطع نور الدين ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب محطة أخيرة خارج السياق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

محطة أخيرة خارج السياق
تظاهرة معارضة
حفرت الجنازة الشعبية الضخمة، التي سارت في تشييع الراحل رفيق الحريري في شوارع بيروت لنفسها مكانا عميقا في الذاكرة الوطنية اللبنانية، التي تأسست في الماضي على فكرة الانفصال عن سوريا، وهي الان تترسخ على هوة سحيقة في العلاقات بين البلدين، وحتى بين الشعبين، لن يكون من السهل ردمها في المستقبل المنظور.
لم يسبق لبيروت ان شهدت في تاريخها جنازة تظاهرة بهذا الحجم، وايضا بهذا الكم من الشعارات والهتافات المعادية لسوريا، التي لم تكن تنتظم في سياق محدد، ولا كانت وليدة تخطيط مسبق، بل كانت عفوية وتلقائية، إلى حد أنّه عندما كانت الكلمات تضيع من ألسِنة المشيعين، كانوا يسدون الفراغ في الشتائم المباشرة !
كانت محصلة مرعبة لِــــ29 عاما من التدخل السوري في لبنان، تنذر بقطيعة نهائية أو على الاقل باصدار حكم قاطع على سوريا، لا يحتمل الرد أو الاستئناف، ويمهد لاسوأ واخطر ما سُجِّل في ملف العلاقات المعقدة والملتَبسة بين الدولتين والشعبين عبر التاريخ.
لم يكن احد يسمع في بيروت أو بالاحرى لم يكن احد يريد ان يسمع ما جرى في دمشق منذ اغتيال الشهيد الحريري: صدر بيان الادانة الاول من قصر الرئاسة السورية، في خطوة غير مألوفة في مثل هذه الحالات، ثم اتُّخذ قرار سوري نفِّذ على الفور وما زال ساري المفعول بان يخرج عدد من كبار المسؤولين السوريين على الاعلام العربي والاجنبي للرد والاستنكار والتوضيح أنّ سوريا متضررة من الجريمة أكثر من أي بلد آخر في العالم. وورد في السياق كلام لا يليق بالحدث ولا يفسره.
لكن هذه الاصوات ضاعت وسط الاتهامات المباشرة التي كان ينقلها أو يوجهها الاعلام إلى دمشق. ولم يكن لها اي اثر أو صدى في الجنازة المعادية بلا تردد وبلا خوف، التي استعادت الكثير من الذكريات المريرة، لكي تبني عصبية وتُرْسي موقفا لم تكن بَلْوَرته تحتاج إلى جهد كبير.. ولم تكن له اي وجهة لبنانية داخلية، خصوصا في ظل الفراغ الرهيب في موقعي رئاسة الجمهورية والحكومة في لبنان.
ولولا اللغة والوظيفة الوطنية للجنازة لكان يمكن اعتبارها تظاهرة معارضة تسير في شوارع دمشق، اول تظاهرة من هذا النوع تشهدها العاصمة السورية، والعاصمة اللبنانية على حد سواء: هي بهذا المعنى اختبار فريد للحكم في سوريا، ولرد فعله على هذا الحشد الاستثنائي، والمطالب المحددة التي رفعها المتظاهرون، والتي تحظى بما يشبه الاجماع اللبناني.. والتي لم يرد ذكرها في قرار مجلس الامن الرقم 1559!
حتى الان كان الرد على هذه المطالب بالرفض المطلق، والاكتفاء بالموافقة على التحقيق الدولي أو على الاستعانة بخبراء أجانب لخدمة التحقيق المحلي، أو بالسماح للرئيس اميل لحود ان يمازح المفجوعين بالدعوة إلى مؤتمر حوار وطني.. وهو ما يضمن بان جنازة رجل التوازن والاعتدال الإسلامي والوطني لن يستولد سوى المزيد من التشدد، والتطرف الذي لم يعرف له علاج بعد!
17/2/2005

