كتاب " معجم السرديات " ، تأليف مجموعة مؤلفين ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب معجم السرديات
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

معجم السرديات
بين يدي المعجم
يندرج هذا الكتاب في سياق جهود ما فتئ الباحثون يبذلونها في مجال التأليف المعجميّ من جهة، وفي سياق حقل السرديّات من جهة أخرى. ولئن كانت جذور التأليف المعجميّ ممتدّة في الحضارة العربيّة الإسلاميّة، فإنّ هذا الضرب من التأليف ما لبث أن ضمر واقتصر أمره على جمع ما تفرّق وتكرار ما جادت به قرائح القدامى دونما مواكبة لما يستجدّ في مستوى الممارسة اللغويّة من جديد الألفاظ والمصطلحات. ولا عجب في هذا إذ التأليف المعجميّ مرتبط وثيق الارتباط بإنتاج المعرفة، فكلّما ازدهر العلم كان الإقبال على طلبه أشدّ والحاجة إلى توضيح مصطلحاته ومفاهيمه أوكد.
وتعدّ السرديّات (Narratology/ Narratologie) من الحقول المعرفيّة الحديثة التي ازدهرت في النصف الثاني من القرن العشرين وما فتئت تتطوّر وتتوسّع فتنهل من غيرها من المعارف كاللسانيّات والسيميائيّة والتداوليّة، كما تتسرّب إلى اختصاصات كثيرة شأن الأدب والتاريخ والفولكلور والمسرح والسينما والموسيقى...ومن شأن هذا التوسّع أن ينزّل السرديّات منزلة محوريّة من البحث المتعدّد الاختصاصات في عصرنا.
والناظر في المجال العربيّ يلاحظ أنّ انتقال السرديّات إلى لسان العرب لم يتأخّر كثيراً عن زمن ظهورها في اللغات الغربيّة، فمنذ السبعينيّات كان عدد من الجامعات العربيّة يدرّس السرديّات وإن بأسماء أخرى. ولعلّ الأستاذ توفيق بكّار كان رائدا في هذا المجال إذ كان في بدايات السبعينيّات من القرن العشرين يدرّسها لطلبة الأستاذيّة بالجامعة التونسيّة باسم "المناهج الحديثة". وقد ترتّب على ذلك أن تكاثرت الدراسات السرديّة تكاثرا زاد من وتيرته أن استسهلها أغلب المقبلين عليها فاشتقّ كلّ باحث من عنده مصطلحات لم يقابلها بما اجترحه غيره. فكان نَفاق سوق السرديّات سبباً من أبرز الأسباب التي أدّت إلى تفاقم الوضع المصطلحيّ في هذا الحقل الممتدّ الأطراف.
وزاد الطينَ بلّة أنّ هذا العدّ الذي لا ينقطع من المصطلحات لم يواكبه نشاط معجميّ يقنّن وضع المصطلحات ويستصفي منها ما يكون أقرب إلى الوفاء بمقتضيات المعنى. فلسنا نعرف في العربيّة إلّا معجمين أحدهما وضعه جيرالد برنس بالإنكليزيّة بعنوان "معجم السرديّات" (Dictionary of Narratology) ونقله إلى العربية عابد خزندار (1) بعنوان "المصطلح السرديّ" والسيد إمام بعنوان "قاموس السرديّات" (2)، والآخر "معجم مصطلحات نقد الرواية" للطيف الزيتوني (3)، وقد أثبت صاحبه في بدايته مقابلا إنقليزيّا لعنوانه هو (A Dictionary of Narratology) والمعجمان كلاهما - وإن اتّفقا من جهة العنوان الأصليّ على الأقلّ مع معجمنا هذا - لا يشملان المصطلحات السرديّة، ولا يقدّمان للمصطلح شرحاً وافياً، ولا يلتزمان خطّة واضحة في وضع المصطلح.
من هنا نتبيّن أهمّيّة أن يكون بين أيدي الباحثين والطلّاب والمثقّفين العرب عامّة معجم مختصّ في السرديّات يوضّح الغوامض ويقف على الفويرقات ويقدّم مداخل تجمع بين الجانبين النظريّ والتطبيقيّ. ولعلّ من أهمّ دواعي تأليف هذا المعجم كثرة المصطلحات المتداولة في هذا الميدان وقلّة التنسيق بين الباحثين في شأنها حتّى تعدّدت مقابلات المصطلح الواحد وتعسّر على المصطلح أن يضطلع بدوره التحديديّ، ومن ثمّ غامت المفاهيم وافتقرت إلى صفتي الجمع والمنع. وسعياً إلى مجاوزة هذا الوضع عمد فريق المعجم إلى الرجوع إلى المصطلحات والمفاهيم السرديّة في مظانّها الغربيّة: الفرنسيّة أوّلاً والإنكليزيّة في الدرجة الثانية يتفهّمها ويشقّق معانيها. لذلك يجد قارئ المعجم المصطلحَ باللسانين الفرنسيّ والإنكليزيّ مثبتاً في رأس كلّ مدخل بحذاء مقابله العربيّ كما يجد في صلب المدخل ذكراً للمصادر النظريّة المعتمدة. ومن شأن ذلك أن يتيح للقارئ أن يتأكّد من المصطلح وأن يتوسّع في معانيه وأبعاده إن شاء.
وقد أردنا لهذا المعجم أن يكون حصيلة للجهود السابقة فيفيد ممّا أنجز ويتجنّب - ما أمكن - أن يكرّر الأخطاء. لذلك يجد الباحث في حال تعدّد المصطلح العربيّ أنّ فريق المعجم انطلق من الرصيد المصطلحيّ المتداول في الكتابات العربيّة وتخيّر منها ما بدا له أقرب إلى الصواب من وجهة شموليّة، فلم ينظر إلى المصطلح معزولاً عن غيره وإنّما نظر إليه من حيث صلته بسائر المصطلحات المجانسة له أو القريبة منه. فإن لم يجد فيما جرى عليه السابقون ما يفي بالقصد اصطنع مصطلحاً جديداً، ولكنّه لم يغمط الباحثين السابقين جهدهم بل أثبت كلّ مصطلح اقترحوه - وإن لم يقرّه - في موضعه من الترتيب الأبجديّ ووضع إزاءه كلمة "راجع" للإشارة إلى المصطلح المعتمد في هذا المعجم والذي يجد فيه القارئ ضالّته. ولقد قمنا بهذا العمل لتحقيق غايتين أولاهما تكريس التراكم المعرفيّ الذي لا يكون إلّا إذا بنى اللاحق على السابق، وثانيتهما الأخذ بيد الباحثين والطلبة حتى لا تحدث في أذهانهم بلبلة ولا قطيعة مع السائد. فإن عاد أحدهم إلى دراسة سابقة فيها مصطلح لم يؤخذ به في هذا المعجم فإنّه يجد في الكتاب ذلك المصطلح وأمامه المصطلح الذي أقرّه فريق المعجم. وعلى هذا النحو فإنّ قاعدة العمل لدينا ليست إلغاء الغير ولا محو ما قاموا به وإنّما هي إنشاء حلقات معرفيّة تُسلِم - مع الزمن - إلى توحيد المصطلح وتساعد - بناءً على ذلك - في تقدّم البحث العلميّ.
وإذا كان التأليف في مجال المعجميّة عسيراً فإنّ عملنا في هذا الكتاب جعلنا أمام معضلتين مدار أولاهما على عسر العثور على المصطلح، ومدار الثانية على دقّة المفاهيم وتشعّبها. أمّا مبادئ الخطّة الاصطلاحيّة المعتمدة في هذا المعجم فيمكن إيجازها في ثلاثة: أوّلها اعتماد الترجمة باستخدام اللفظ المعروف في لسان العرب ما كان ذلك ممكناً، وثانيها توليد المصطلح باعتماد قواعد الاشتقاق من الفصيح، وثالثها الاقتراض باللجوء في حالات قليلة إلى التعريب من اللغات الغربيّة وذلك حين ينعدم المقابل العربيّ أو يَقصُر الاشتقاق عن الوفاء بالغرض أو يكون مدرجة للاشتراك (polysémie) . وقد رأينا ألّا نعمد إلى التوليد أو الاقتراض إلّا إذا لم توفّر الترجمة ركناً أو أكثر من أركان المعنى. ولقد رأينا بعد طول نقاش وتجريب أن يكون ترتيب المداخل حسب الحرف الأوّل فالثاني فالثالث لا حسب حروف الجذر اللغويّ لما في ذلك من تيسير على طالب المعرفة ومساعدة له في الوقوع على بغيته.
وأمّا من جهة المفاهيم فقد حرصنا على الرجوع إلى المؤلّفات الغربيّة الأصليّة، ولم نقنع بالمراجع الثانويّة، وأشرنا إلى ذلك في موضعه من المادّة التعريفيّة. غير أنّ عملنا - وإن كان في أغلبه مستمدّاً من تلك المراجع - لا يعدّ اجتراراً لها. ذلك أنّنا عمدنا في حالات كثيرة إلى المقابلة بين المفاهيم عند منظّر واحد أو عند منظّرَيْن فأكثر والموازنة بينها وبيان التطوّر التاريخيّ الذي طرأ عليها. كما أنّنا سعينا جاهدين في مواضع شتّى إلى إجراء تلك المصطلحات والمفاهيم على نصوص عربيّة قديمة وحديثة استدلالاً على مسألة أو اختباراً لفكرة أو كشفاً لخصيصة إبداعيّة. ومن هنا كان معجمنا منغرساً في ثرى الثقافة العربيّة لا مجرّد صدى للثقافة الغربيّة.
وإنّنا لنرجو أن نكون قد بلغنا مقصدنا وقدّمنا للغة العربيّة وللثقافة العربيّة وللقرّاء العرب أداة عمل ينتفعون بها، وفتحنا الطريق لأعمال أخرى مقبلة تكمل ما بدأناه وتجاوز ما وقفنا عنده.
محمّد القاضيتونس في 16 أوت/ أغسطس/ آب 2010