كتاب " الدعاية والإتصال الجماهيري عبر التاريخ " ، تأليف د. برهان شاوي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب الدعاية والإتصال الجماهيري عبر التاريخ
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الدعاية والإتصال الجماهيري عبر التاريخ
والجماهر: الضخم. وفلان يتجمهر علينا أي يستطيل ويحقرنا. وجمهر القبر: جمع عليه التراب ولم يطينه. وفي حديث موسى بن طلحة: أنه شهد دفن رجل فقال: جمهروا قبره جمهرة أي اجمعوا عليه التراب جمعاً ولا تطينوه ولا تسؤوه. وفي التهذيب: جمهر التراب إذا جمع بعضه فوق بعض ولم يُخصص به القبر.
وبالرغم من تعدد معاني كلمة جمهور، فإنها استخدمت بمعنى التجمع، أو التحشد أو الكثرة، وقد تطور استخدام هذه الكلمة في المجال الاجتماعي والسياسي بحيث صارت تعبر عن مجاميع من الناس وغير محدودة الملامح. بل وصارت أحد المصطلحات المهمة في علم الاجتماع.
وفي مجال علم الاجتماع يعبر هذا المصطلح عن عدد غفير من الناس الذين يتمركزون في مكان محدد ويتصلون فيما بينهم كأفراد أو كجماعات. علماً أن هذا المصطلح كثيراً ما حمل، في جميع اللغات تقريباً، تقييمات مبطنة، ففي اللغات الأوروبية كثيراً ما يتم التعبير عن الجماهير الغبية، أو بالعربية الغوغاء. ومن جانب آخر يستخدم المصطلح للتعبير عن الحركات الاجتماعية التي تروج لمفاهيم ذات قيمة ثقافية وفكرية عالية مثل العدالة والمساواة وتشكل الرأي العام ومن ثم تطرح نفسها كجماهير ثورية وتنشط كقوة سياسية.
وكثيراً ما تم استخدام مصطلح الجماهير للتعبير عن الناس البسطاء، غير المتعلمين، والطبقات المسحوقة أو عامة الناس، وبتعبير أدق الشعب. ويقف بالضد من هذا المصطلح مصطلح آخر هو الفرد، الذات، المتعلمون أو النخبة.
على المستوى الأوروبي فإن مصطلح الجماهير ارتبط تاريخه بالثورة الفرنسية، ولاسيما حينما زحف الشعب ليحطم سجن الباستيل. وهو مصطلح ارتبط بالخوف السياسي والاحتقار للعادات، والنظم والقواعد الاجتماعية المتعارف عليها، ولنا في العربية توصيف آخر له هو الغوغاء أو الرعاع، علماً أنّ بعض علماء الاجتماع لم يقرنوا ذلك بالتمرد السياسي، والحقد والعنف، بالضرورة، وإنما بمظاهر إيجابية كالأعياد والاحتفالات أيضاً. رغم تشخيصهم سرعة استعداد الجماهير لتقبل الشائعات ونشرها. وهذا ما يدعم رأي بعض علماء الاجتماع بأن الجماهير تخضع لقوانين خاصة بها، فكل فرد ضمن هذا الحشد يشترك مع الآخرين بنبرته ومصالحه وشعوره الجمعي وانفعالاته الجمعية اللاواعية أيضاً.
ويؤكد علماء الاجتماع على أن نشوء ظاهرة التجمعات البشرية كالجماهير لم يحدث في العصور المتحضرة مع النمو السكاني البشري فقط، وإنما، تطور عبر مراحل الأزمات مثل: المجاعات، والأوبئة، والحرب الأهلية، والهجوم الحربي، وغيرها.
ويشير علماء الاجتماع والسياسة إلى أن الجماهير النشيطة هي تلك الجماهير التي تخط لنفسها مسارها الاجتماعي الديناميكي، بحيث إنها اذا ما عبرت عن حراكها سلبياً فإنه يتجسد في نشر الشائعات، والشقاوات، والمواجهات العنيفة، التمرد والفوضى العنيفة، أما إذا ما عبرت عن ذلك إيجابياً فإنه يتجسد في المظاهرات السلمية، والعصيان المدني، أو المعارضة السياسية ضد الطغيان وصولاً إلى الانتفاضة والثورة، من أجل بناء نظام اجتماعي جديد.
ويتوقف العلماء هنا عند مفهوم الهيمنة التي تمارسها الجماهير ككتلة على الفرد وسحقه للذات الفردية، لاسيما خلال الحروب، من خلال الشعارات الحماسية والوطنية، من جهة، والهيمنة التي تمارسها السلطة على الجماهير، بشكل عام يومياً، من خلال وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري .
إلا أن بعض الآيديولوجيات الثورية كالماركسية والفوضوية تنظر إلى الجماهير كقوة ثورية دائماً، فهي الحاملة للواء الثورة والتغيير، بينما يرى بعض علماء السياسة والاجتماع بأن الثورات والتغيرات الاجتماعية تقودها النخبة دائماً، وإن هذه النخبة تستخدم الجماهير من أجل إحداث التغيير الاجتماعي والسياسي، أي أن الجماهير هي أداة التغيير وليست قائدة التغيير.