You are here

قراءة كتاب التفاحة النهرية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التفاحة النهرية

التفاحة النهرية

التفاحة النهرية، مجموعة قصصية للكاتب الفلسطيني محمد نفاع، الصادرة عن دار راية للنشر والتوزيع- حيفا، تحمل في طياتها ذكريات طفولة الكاتب من حياة القرويين مؤكدا ان مأساة الترحيل والطرد من البلاد وآلاف المواطنين يمرون من وسط بلده بيت جن في طريقهم الى لبنان ما ز

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
- "شو بدّك منّي ؟!"
 
أما أنا فخرستُ عن الكلام المباح، بل أن هذا الصوت الواضح أجفلني وأوقف زحفي المستتر، أرسلتْ نظرها بعيداً الى الوعر وإالى القرنة الشرقية من الأفق المرئيّ من هنا.
 
وفي المواقع البعيدة يترامى نواح شُبّابة، تصلنا منه مشحات وموجات غائرة متقطّعة محزونة، تتكلفت في الوديان وتتعربش على الهضاب وتعشّش في حومات الشجر وتمسح وجه الصخور وتلثم خدود الأرض العطرة الشابّة وتتدلى على جبهة الجرمق كإكليل من الشبرق والخزامى..
 
إنعفي أيتها الأرض الطيبة الملقاحة من نشركِ المبارك وأنفاسك الغضّة وطيبكِ الهتون، وخيركِ المضمّخ بعرق الجهد والسُترة والعافية، وانبتي حجارة تحميكِ من العاديات، مُشرئبّة الى فوق بعزّة ونقاء، وغيّبي في جوفكِ تلك التي رنت على جبين حُماتكِ من بعض أبنائكِ المُتعاركين، تلك التي تعيش خجلى مُنكفئة مقهورة عليها دمٌ من دمك، واطلقي صرخة الوئام الجبّار كرمى لطهرك الوضّاء وعرضكِ المصون.
 
طويلٌ طويل هذا الشَعر الملقوح على الظهر في غدير ربيعيّ شذيٍّ مُنسكبٍ من الذرى الى المروج القمحية العبقة المروية بندى نيسان، يرنو اليه كفلُكِ المُهضّب كهضاب الجرمق الأرجة، كلّه لُجّة متموّجة خفّاقة بتحفّظ ووقار، واتركي لونه للذكريات خوفَ العواقب والعقوبات الدافئة في القيظ والباردة في الزمهرير.
 
بعد تجاهل وضيق وحياء مُفرط مُخضّب بالدلال تبسّمتْ بسمة عذبةً، ومسحتْ جبينها ووجهها بكُمّ الفستان المهلهل.
 
لمستُ يدها الحيّة الوافرة فشهقتْ وجفلت كالغزالة الجفراء. وانفلتتْ يدي المتآخذة لتلثم ساقها البيضاء النقيّة المستورة تحت السواد.
 
- "إيه !! شو بدّك تشوف؟ "
 
نطقت بلطف وصوت مرهوق متلعثم
 
- "خلقة الله !! بدي أشوف.."
 
وبلعتُ ريقي للمرّة الـ .. أبصر قدّيش.
 
خرس الكون، ومشى الوقت، ورحت أفرك العراقية الصفراء المشلوحة من موضعها بيديّ الاثنتين، لها عبق شبابيّ ربيعي طريّ نديّ. أنفاسها شذيّة كالبطم والريحان، تنطق بتسارع أهوج لجوج. وشفتاها مكتنزتان تخفقان كجناح عصفور التركمان على بيدر القمح المدروس.
 
- "وبعدين!!"
 
وجهها مُحمرقٌ حار، وفي عينيها بريقمرغرغ مُزغلل.
 
- "أعمل لك حاكورة هون.. على صدرك!! وعمل الحاكورة أن تعضّ في الجسد عضّة تترك أثراً. وصمّمتُ أن اقوم بهذا الواجب..
 
- "إوعك.. بذبحك"!! وغطّت صدرها بيديها لكنها لم تنجح، ظلّت أضمومتان من نهديها المقدّسيْن المشرئبّيْن بكبرياء وعظَمةٍ شاردتيْن من التطويق. وضحكت كتشحرورة مبحوحة.
 
- "على خدِّك"!!
 
_ "المرة... أحسن.. عزارة وعليها شهود، وشو بقولوا" ؟
 
_ " وين لكان؟!"
 
_ "لا كان ولا مكان.. أسكت..هيك وبس!"
 
كنا نجلس في عبّ شجرة سنديان متدلية، وسكتُّ عن المحظور واللامعقول، فأزاحت يديها عن صدرها الفواح كغمر النرجس الرياّن، وانغمر المكان بأنفاسها المتقطّعة وعتابها وعنادها، لها يدٌ مقاوِمةٌ تراها في كل مكان في قوامها الحيّ الفتيّ المتدفّق، راحت تُسدلُ جفونها، ورموشها تكاد تلتقي وتتعانق، وجبينها العُريفي مرغرغ..

Pages