You are here

قراءة كتاب شعاع من السيرة النبوية في العهد المكي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
شعاع من السيرة النبوية في العهد المكي

شعاع من السيرة النبوية في العهد المكي

كتاب " شعاع من السيرة النبوية في العهد المكي " ، تأليف د . راجح عبد الحميد كردي ، والذي صدر عن دار المأمون للنشر والتوزيع عام 2014 .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 8

ثانياً: انتزاع النفس وتحررها:

تلك العبودية تعني أنه لا بد أن يخضع المسلم في كل ما يخضع لله عز وجل سواء أكان ذلك في تقديم الشعائر التعبدية أم كان في تلقي الشرائع المنظمة لمسالك البشر، أفراداً وجماعات، أي هي مشاعر، وشعائر، وشرائع، وقيم، وأوضاع، وعادات، وأنظمة تخضع كلها له عز وجل. ومن هنا فلا بد للمسلم من أن يصارح نفسه، ويصارح مجتمعه على ضوء سيرة رسول الله عليه الصلاة والسلام هل هو مع الله أو مع غيره؟ هل هو في هذا العمل مسلم أم جاهلي، وهكذا.

ولهذا فإننا حينما ندرس سيرة النبي عليه الصلاة والسلام بهذه النفسية وعلى هذا النهج نكون بعملنا هذا إنما نعبد الله عز وجل الذي جعل عبوديته غاية وجودنا إذ قال سبحانه وتعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات56).

وبالتالي يمكن للأمة أفراداً وجماعات- تخطيطاً وتنفيذاً- أن تنتزع نفسها وواقعها من كل تبعية ومن كل ضنك في العلاقة بالجاهلية وأنظمة الكفر لتعود تنعم في ظل التبعية لله سبحانه، مشمولة برعاية الله، ومستشعرة عزتها بحرية الإرادة في دائرة شمول الرقابة من الله عز وجل؛ فتأخذ قوتها من الله سبحانه وتعالى ذي القوة المتين، الذي تضعف بل تهون كل قوة غير قوته، ويفشل كل تدبير سوى تدبيره قال تعالى:وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال30).

هذا الانتزاع للنفس والواقع يحتاج إلى الجرأة التي تقضي على العزلة الوجدانية التي يعانيها المسلمون من سيرة رسول الله عليه الصلاة والسلام

ومثل هذا الانتزاع يحتاج إلى المعرفة والشعور بشكل واضح، بالجاهلية على أنها ليست فترة زمنية قضت ومضت في التاريخ البشري، أو أنها التي تقابل العلم، إنما هي وكما يعرفها الأستاذ محمد قطب في كتابه جاهلية القرن العشرين:"حالة نفسية ترفض الاهتداء بهدي الله، ووضع تنظيمي يرفض الحكم بما أنزل الله "(6) فالجاهلية ليست نظريات وإنما هي عادات وقيم وأوضاع وأنظمة ومقاييس وموازين تنأى كلها بالمسلم عن أن يكون عبداً لله عز وجل في كل شيء.

وعلى هذا فالتزام سيرة النبي عليه الصلاة و السلامإنما هي وسيلة من وسائل التحرر الوجداني الذي لا بد أن يسبق كل تحرر يتبعه؛ سياسي أو اقتصادي أو عسكري.

وما أحوج أمتنا في هذه الأيام إلى مثل هذا التحرر، الذي يخلصنا من قبضة أعدائنا. هذا التحرر الذي اشتاق لأصحابه شوق الأرض المجدبة للماء العميم. وتعجبني عبارة نقلها الأستاذ أبو الحسن الندوي عن مفكر الإسلام الكبير إقبال حيث يقول: "إن هذا المنبر والمحراب يتشوق إلى تلك السجدات التي عرفها من السلف، تلك السجدات التي ينتزع فيها الإنسان نفسه، ويخلصها من ركام الأرض، وركام الشهوات والأنظمة والمبادئ ليرتفع بها إلى السماء".

Pages