You are here

قراءة كتاب جملة اعتراضية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
جملة اعتراضية

جملة اعتراضية

كتاب " جملة اعتراضية " ، تاليف علاء الأسواني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

من أين تنفقون؟

عزيزي القارئ، إذا كنت تعمل طبيباً أو مهندساً ولديك عيادة أو مكتب خاص... فهل يجوز مثلاً أن تتصل تلفونيا آخر العام بمصلحة الضرائب وتخبرها بأنك خسرت في عملك هذا العام، وبالتالي لن تدفع الضرائب؟ أم أن القانون يلزمك بأن تقدم دفاتر مصروفاتك وإيراداتك لتراجعها مصلحة الضرائب وتثبت أرباحك وتقدر الضرائب المستحقة عليك؟ هل يجوز أن تعتبر تقديم حساباتك للضرائب انتهاكاً لأسرارك؟ هل يمكن أن ترفض حق مصلحة الضرائب في أن تعرف كم كسبت من عملك؟ هذه الأسئلة إجابتها بديهية: من حق الدولة أن تعرف أرباح المواطنين في أعمالهم حتى تقدر الضرائب المستحقة عليهم وتحصلها منهم.. إذا كان هذا حق الدولة على المهنيين الذين يكسبون لينفقوا على أولادهم، فما بالكم بالسياسيين الذين يعملون بالعمل العام ويترشحون للمجالس النيابية والذين يتم اختيارهم لمناصب الدولة العليا؟ أليس من حق الدولة ومن واجبها أن تراقب تمويل هؤلاء السياسيين وأحزابهم وجمعياتهم؟ أليس من حق المواطن أن يعرف مصدر تمويل من سيكون نائباً عنه في البرلمان أو رئيساً للوزراء أو رئيساً للجمهورية؟

إن كشف مصادر تمويل الأحزاب والسياسيين حق أصيل للدولة ومواطنيها. في مصر ظهرت عندنا حالة غريبة بعد الثورة. الأحزاب المصرية كلها تخضع لإشراف الدولة وتعلن عن مصادر تمويلها وتنشر ميزانياتها في الصحف، إلا جماعات الإسلام السياسي، فالمسؤولون عنها يرفضون بشدة أن يعلنوا عن مصادر تمويلهم، بينما هم ينفقون ملايين الجنيهات أمام أعيننا كل يوم. «الإخوان» والسلفيون يشترون مئات المقرات في محافظات مصر بأموال مجهولة المصدر. يكفى أن نعرف أنّ «الإخوان المسلمين» لديهم 1375 مقراً في أنحاء مصر بل إنّ مقر «الإخوان» الرئيسي في المقطم ـ وحده ـ تم بناؤه بتكلفة 30 مليون جنيه. أثناء الانتخابات نرى «الإخوان» والسلفيين وهم يوزعون آلاف الأطنان من المواد الغذائية مجاناً على الفقراء من أجل شراء أصواتهم، بل انهم أحياناً يدعمون سعر أنابيب البوتاغاز بطريقة تعجز الدولة عنها. ثمة أدلة قاطعة نراها كل يوم تؤكد أن ميزانية «الإخوان» والسلفيين تقدر بمئات الملايين من الجنيهات لكنهم لا يقولون أبداً من أين يحصلون على هذه الأموال الطائلة. لقد طالبنا قيادات «الإخوان» والسلفيين مراراً بالكشف عن مصادر تمويلهم وفي كل مرة ينتابهم الغضب ويردون علينا بسيل من الشتائم والاتهامات.. إذا طالبت بحقك كمواطن في معرفة مصدر تمويل «الإخوان» والسلفيين، فستتحول فوراً في رأيهم إلى علماني فاسق معاد للإسلام ورافض لشرع الله وعميل للغرب والصهيونية العالمية.. إنهم يتحدون الدولة ويضربون بقوانينها عرض الحائط عندما يرفضون الكشف عن تمويلهم. قال أحد قيادات «الإخوان» مرة: «نعم عندنا مليارات الجنيهات ولن نقول من أين حصلنا عليها. لا دخل لأحد بأموالنا. موتوا بغيظكم».

هذا المنطق شاذ ومرفوض لأننا لا نتحدث عن مخالفة بسيطة بل جريمة سياسية وجنائية. السؤال هنا: هل الدولة مهملة وغافلة عن تمويل «الإخوان» والسلفيين أم أنها متغافلة ومتواطئة معهم؟ ثمة مؤشرات على تواطؤ واضح من الدولة.. قبل الثورة كانت الجمعيات السلفية تستأذن وزارة التضامن الاجتماعي من أجل الحصول على تمويل من شخصيات وجمعيات خليجية، وكانت وزارة التضامن كثيراً ما ترفض السماح للجمعيات بقبول التمويل لأسباب أمنية، بمعنى أن جهات الأمن كانت تكتشف أن هذا التمويل سيستعمل لأغراض سياسية، فتوصي وزارة التضامن برفضه.. بعد تنحي مبارك تحالف «الإخوان» والسلفيون مع المجلس العسكري لتبادل المنافع. العسكر كانوا يحتاجون إلى فصيل منظم يدعمهم ويضمن لهم استمرار امتيازاتهم و«الإخوان» والسلفيون كانوا يريدون الانتخابات أولاً حتى يحصلوا على الأغلبية في البرلمان، ليكتبوا دستور مصر على هواهم بعيداً عن بقية القوى الوطنية.. نتيجة لهذا التحالف تجاهل المجلس العسكري تماماً مراقبة مصادر تمويل «الإخوان» والسلفيين. في يوم 21 فبراير 2011 وافقت وزارة التضامن الاجتماعي على تمويل ورد من الخليج إلى جمعية سلفية بمبلغ 296 مليون جنيه، وهو مبلغ هائل لا يتفق إطلاقاً مع أهداف الجمعية الخيرية، وقد فشل المسؤولون عن الجمعية في تفسير أوجه إنفاق هذا الملغ فقالوا إنهم أنفقوا 30 مليون جنيه في أغراض كفالة اليتيم ورعاية الفقراء أما بقية المبلغ فقال المسؤولون عن الجمعية إنهم أنفقوه في «أغراض تنموية مختلفة» وهو كما نرى مصطلح مبهم ومطاط ولا يحتاج المرء لذكاء كبير ليدرك أن هذه الأغراض التنموية المختلفة ليست بعيدة عن دعم الأحزاب السلفية أثناء الانتخابات.. نذكر هنا أن هذا المبلغ الهائل (296 مليون جنيه) ورد من شخصيات خليجية معروفة، وأنه دفعة واحدة من التمويل المستمر لجمعية سلفية واحدة فقط. ولنا هنا أن نقدر حجم المليارات التي تنهمر على «الإخوان» والسلفيين بينما ظلت الدولة المصرية طوال الفترة الانتقالية تغمض عينيها حتى لا يحرج المجلس العسكري حلفاءه من الإخوان والسلفيين. مرة واحدة حاولت الدولة المصرية أن تراقب تمويل الإخوان والسلفيين عندما شكل وزير العدل الأسبق المستشار محمد الجندي لجنة قضائية للتحقيق في التمويل الخارجي، لكن المدهش أن هذه اللجنة بعد أن كشفت عن مبلغ الـ 296 مليون جنيه الذي حصلت عليه الجمعية السلفية المذكورة، قررت اللجنة فجأة إغلاق ملف تمويل جماعات الإسلام السياسي إلى الأبد وحصرت جهودها في مراقبة تمويل منظمات المجتمع المدني وأحالت المسؤولين عنها إلى المحاكمة الشهيرة التي تم تهريب المتهمين الأميركيين فيها بإيعاز من المستشار عبد المعز (الذي قام مرسي بتكريمه بعد ذلك).

Pages