كتاب " جملة اعتراضية " ، تاليف علاء الأسواني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
You are here
قراءة كتاب جملة اعتراضية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
لماذا يقتل مرسي المصريين؟
لا يستطيع محمد مرسي أن يزعم أن الملايين الذين يطالبون بإسقاطه هم فلول نظام مبارك أو ليبراليون ويساريون معادون للإسلام السياسي. الحق أن أصوات «الإخوان» قد عجزت وحدها عن إنجاح مرسي في انتخابات الرئاسة، والذين أوصلوه إلى مقعد الرئاسة في الجولة الثانـية هم ثمانية ملايـين مـصري، كلـهم من خارج «الإخوان»، بالإضافة إلى عدد كبير من الثوريين الليبراليين واليساريين الذين قاموا بتدعيم مرسي حتى لا يعود النظام القديم على يد منافسه شفيق.
كل ما يتردد عن مؤامرة ليبرالية يسارية إذاً محض هراء، كما أن تصوير ملايين المعارضين لـ«الإخوان» باعتبارهم فلولاً للنظام البائد، كذبة غبية، فلو كان نظام مبارك يملك ملايين المؤيدين لما سقط أصلاً.. كل هذه أساطير يخدع بها «الإخوان» أنفسهم وأتباعهم ليخفوا حقيقة أنهم باتوا مكروهين من الشعب المصري الذي خدعوه وقمعوه وقتلوه.
في اليوم التالي لتنصيبه رئيساً دعا مرسي القوى الثورية إلى اجتماع في القصر الرئاسي، حضرته، فوجدت ممثلين لكل أطياف العمل الوطني من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. أثناء الحوار الذي دار بيننا قبل لقاء مرسي، لمست عند الجميع، بلا استثناء، تفاؤلاً بأول رئيس مصري مدني منتخب واستعداداً صادقاً لمساعدة الرئيس، حتى ينجح وتتحقق نهضة مصر على يديه. لكن الرئيس مرسي انحدر إلى الفشل بسرعة لم يتوقعها أنصاره وخصومه على السواء. بعد أسابيع قليلة فوجئ المصريون بأن مرسي رئيس منتسب غير متفرغ، رئيس غائب عن الواقع منفصل عن الأحداث، وكأنه خارج لتوه من مغارة، أو كأنه يعيش في واقع افتراضي ذهني بعيد عن الحياة اليومية. اتضح للجميع أن مرسي ليس صاحب قرارات الرئاسة وإنما تأتي إليه من مكتب الإرشاد معدة سلفاً ليفض غلافها ثم يقرأها وكأنها صادرة عنه. اكتشف المصريون أنهم لم ينتخبوا رئيساً لمصر وإنما مندوباً لـ«الإخوان المسلمين» في الرئاسة.. هناك فيديو وصورة يعبران عن هذه الحالة. الفيديو يصور بعض «الإخوان المسلمين» وهم ينحنون على الارض ليتسابقوا من أجل تلبيس مرشد «الإخوان» حذاءه، بينما يقف فضيلته ماداً قدمه الكريمة لأتباعه حتى ينجزوا مهمتهم الجليلة.. وصورة نرى فيها مرسي وهو يشب على قدميه ليقبل رأس خيرت الشاطر (حاكم «الإخوان» الفعلي). هكذا هي علاقة مرسي بمرشده بديع ورئيسه الشاطر. خاب أمل المصريين في رئيسهم المرؤوس، ثم تضاعفت خيبة الأمل عندما بدأ الرئيس يتنصل من وعوده واحداً تلو الآخر. لا يتسع المجال هنا لاستعراض وعود مرسي الزائفة، فقد تعود على أن يعد ولا يفي بوعوده وهو لا يخجل إطلاقاً من أن يقول شيئاً ويعمل عكسه.. ثم اكتشف المصريون أن مشروع النهضة الذي طنطنت له آلة «الإخوان» الإعلامية ليس إلا كلاماً في الهواء. فقد مرسي مصداقيته بسرعة بالغة وشيئاً فشيئاً اتضح المشهد: «الإخوان» ومن ورائهم السلفيون والإرهابيون التائبون (الجهاد والجماعة الإسلامية) لا يعتبرون وصول مرسي للحكم فوزاً ديموقراطياً بمنصب الرئيس، بل هو في رأيهم نصرٌ إلهي على أعداء الإسلام (الذين هم بقية الشعب المصري)، وبالتالي فقد قرروا استعمال الديموقراطية باعتبارها سلماً خشبياً يصعدون به إلى السلطة ثم يركلونه بعيداً حتى لا يلحق بهم أحد.
إن ما يسعى «الإخوان» لتحقيقه هو ببساطة إعادة ترتيب أوضاع الدولة المصرية بحيث يظلون إلى الأبد في الحكم، وهم يريدون استعادة الخلافة الإسلامية. هنا يكفي أن يقرأ الإنسان قليلا عن الفظائع التي ارتكبها الاحتلال العثماني لمصر والجرائم الوحشية التي قامت عليها الدولة الأموية والدولة العباسية ليعرف أنّ الحكم الإسلامي الرشيد، طوال 15 قرناً، لم يوجد إلا لمدة 31 عاماً (29 عاماً للخلفاء الراشدين وعامان لعمر بن عبد العزيز).. الخلافة الإسلامية فـكرة قد تكون جــميلة لكنها قطعاً غير قابلة للاستعادة لأنها لم توجد أساساً. لكن مشايخ الإسلام السياسي يحشدون أتباعهم تحت شعار الخلافة، مستغلين جهلهم بالتاريخ وعواطفهم الدينية الجياشة. الخلافة الإسلامية مثل طواحين الهواء التي حاربها دون كيشوت في رواية سرفانتس، وهو يتخيل أنه يقهر جيوش أعداء وهميين لا يوجدون إلا في خياله.


