كتاب " قوس الأزمات الإقليمية " ، تأليف جميل مطر ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
You are here
قراءة كتاب قوس الأزمات الإقليمية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
أعتقد أن هناك مزايا عديدة يمكن أن تتحقق لتيارات الدين السياسي إذا قررت حل تنظيماتها الملتبسة دوراً ومهمات، والاكتفاء بأحزاب سياسية، وأبنى اعتقادي على قناعة تكونت عبر سنوات من متابعة نشاط أحزاب سياسية في أوروبا وأميركا اللاتينية اعتمدت في نشأتها على تكوينات سرية أو علنية سبقت هذه النشأة. المزايا، كما ذكرت، عديدة. أذكر منها مثلاً إزالة الغموض الذي يحيط بممارسات وأعضاء التنظيم وبخاصة هؤلاء الذين كلفتهم الجماعة بمباشرة أدوار ومهام سياسية أو وظائف حكومية.
كثير من الشك وعدم الثقة السائدين في الساحة السياسية بحالتها الراهنة يعود إلى وضع الغموض المحيط بهذه الجماعات والتنظيمات السرية وشبه السرية. كثيرة هي التخمينات غير الصحية وغير المفيدة سياسياً عن مصادر تمويل هذه الجماعات، وعن أساليب إدارتها الداخلية وعن أولوية ودرجة ولاء الأعضاء وخضوعهم لقياداتهم على حساب كفاءة الأداء السياسي والاداري والوطني. كثيرة أيضاً الإيحاءات عن المزايا التي يحصلون عليها من وراء هذه العضوية والتزامهم شروطها. هذا الغموض كاف وحده ليجعل العلاقة بين المسؤولين السياسيين التابعين تنظيميا لهذه الجماعة وبين أجهزة الدولة الأمنية، كالجيش والمخابرات والأمن الداخلي، علاقة مشوبة دائما بالقلق ولها الآن ما يبررها.
من ناحية ثانية، يصعب تصور إمكانية قيام علاقات عمل وزمالة جيدة بين مسؤولين في أجهزة الإدارة منتمين إلى الجماعة وبين مسؤولين لا ينتمون إليها. الأصل في الوظائف الكبرى هو الحياد السياسي، فكيف بموظفين منتمين إلى جهاز، طابع تاريخه وسجله وممارساته هو السرية والغموض والطاعة العمياء وأولوية الولاء للجماعة، لا لأي جهة أخرى بما فيها جهة العمل.
المتوقع غالباً في مثل هذه الحالات تشتت المسؤوليات وتخبط عجلة صنع القرار وتوتر بيئة العمل، وربما البيئة السياسية أو بيئة الحكم، وهو ما نراه حادثاً بين الحين والآخر في العلاقات داخل جهاز رئاسة الدولة، وبينه وبين أجهزة القضاء، وبينه وبين رئاسة الحكومة، وبينها جميعاً وبين أجهزة الإدارة المتنوعة ومنها على سبيل المثال وزارة الخارجية بل الدبلوماسية المصرية بوجه عام.
من ناحية ثالثة، نحن أمام ظاهرة تستحق التوقف عندها إذا أردنا تفادي الإساءة إلى الإسلام كدين. ثبت لنا من خلال تطورات الشهور القليلة الماضية أن بعض قواعد الإسلام وأحكامه صارت جزءاً من الألعاب السياسية التي تمارسها عادة الأحزاب وأجهزة الإعلام. قد ترى الجماعة الدينية ذات الأهداف السياسية مصلحة في استخدام الدين، غير عابئة بالتكلفة السياسية التي يمكن أن يدفعها الوطن بأسره نتيجة هذا الخلط المتعمد بين السياسة التي هي بطبيعتها «حمالة أوجه» وخاضعة لأهواء وتقلبات مزاجية وليست دائماً بريئة النوايا، وبين قواعد ومبادئ دينية لا يحق لأحد أو لجماعة أن تنزل بها إلى ساحة ألعاب السياسة. يمكن في الوقت نفسه أن تصاب السياسة بأذى شديد إذا تنافس المتطرفون دينياً أو زايدوا على بعضهم البعض أو تدخلوا في شؤون دول أخرى بحجة عالمية الدين غير عابئين بمصالح الشعب المصري وأمن الوطن.
من ناحية رابعة، قد يكون جائزاً حتى الآن وجود الحزب والجماعة معاً كلاعبين أساسيين في الساحة السياسية المصرية، ولكن ما هو جائز في فترة غير عادية لن يكون جائزاً في ظروف عادية مستقرة. أكاد أكون واثقاً من أن مرحلة ستأتي يتضح فيها مدى الاختلاف، ولا أقول التناقض، بين أهداف الجماعة وأهداف الحزب. والأمثلة من التاريخ عديدة.
ليس من المنطقي أن يستمر التعامل مع كل قيادي في الجماعة على أنه صالح لمنصب قيادي في الحزب أو في الحكم أو في أجهزة الإدارة، وليس من المنطقي أن كل قضية اجتماعية واقتصادية وعسكرية، يمكن للجماعة أن تنفرد بحلها، وإلا لكان متوقعاً ومنطقياً أن تحل الجماعة محل الدولة، وليس فقط محل الحزب، أو تصبح الإدارة الحكومية، أو تتوهم أنها صارت، أداة في خدمة أهداف الجماعة.
من ناحية خامسة وأخيرة، أعتقد أن أفرع الدولة المصرية، التي كثيراً ما توصف بالعراقة، لا يمكن أن تتحمل استمرار الجماعة كقوة سياسية بأي وزن تختاره. لن يتحمل ذلك «النظام الحزبي» فالجماعة نتوء في هذا النظام يخل بتوازنات الحركة السياسية. وقد يكون وجودها سبباً في أن تلجأ الاحزاب الأخرى إلى تنظيم جماعات «سرية أو مساندة» وبالتالي ينشأ نظام حزبي مواز، ولن يتحمله جهاز رئاسة الدولة، فالجماعة سيكون لها دائماً مصالح خارج مصر تلتقي أحياناً مع مصالح الدولة، وتتناقض معها في أحيان أخرى، والقريبون من الدبلوماسية المصرية مطلعون على تفاصيل كثيرة خاصة بهذا التداخل والتضارب، ليس أقلها شأناً تأثيرها في العلاقات المصرية العربية والمصرية الأفريقية. ولن تتحمله أجهزة الأمن القومي المصري، التي لن تتسامح لمدة طويلة مع أدوار تخصها تقوم بها جماعة أو جماعات لا تخضع للمسؤولية السياسية أو للنظام القانوني والدستوري أو لتقاليد النظام الاستخبارتي العالمي وقواعده.
***
حل جماعة «الإخوان»، أو على الأقل البدء فوراً بتحييدها تماماً وعزلها عن العمل السياسي، دعوة أتمنى أن يناقشها المسؤولون في هيئة إرشاد «الإخوان المسلمون» وفي قيادة حزب الأغلبية وفي جهاز رئاسة الجمهورية، مجتمعين أو منفصلين، إذا أريد لمصر الاستقرار في الداخل واستعادة المكانة في الخارج.
24/1/2013