You are here

قراءة كتاب قوس الأزمات الإقليمية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
قوس الأزمات الإقليمية

قوس الأزمات الإقليمية

كتاب " قوس الأزمات الإقليمية " ، تأليف جميل مطر ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

يعتمد السائل من هذا الفريق على تطورات عديدة أصابت اقتصاد مصر وتشققات اجتماعية كثيرة. يعتمدون على أن الشباب لن يتحمل طويلاً حال البطالة، وملايين الأسر لن تجد ما تسد به الرمق بسبب ارتفاع الأسعار، والفوضى ضاربة في الطرق، والسكك الحديدية تمنع وصول الحاصلات الزراعية من موانئ التفريغ إلى الداخل، ومن الداخل إلى المدن والعشوائيات المحيطة بها والغائرة فيها، ومستويات أمن غير متوافرة لحماية سكان الضواحي وغيرها من الأحياء التي تسكنها الطبقة الوسطى.

السؤال الثالث: هل نحن على أبواب حرب أهلية؟

غريب أمر المصري السائل عن فرص نشوب حرب أهلية. يسأل كما لو كان عاش شاهداً على نشوب واحدة منها هو أو آباؤه أو جدوده. بعض المصريين سمع بحرب أهلية في لبنان والسودان وفي اليمن أو عاش جانباً منها، وفجأة وجد نفسه يقارن بين أحوال تلك البلاد وحال مصر الراهن، فيتوصل إلى نتيجة أن الحرب الأهلية المصرية لم تنشب بعد... سمعت سائلاً عائداً من أفغانستان يقارن ويؤكد وجود أوجه شبه بين ظروف ما قبل نشوبها. يتحدث عن السلاح المتوافر في كل مكان، وعن أطفال من الشوارع وفي الشوارع وصل السلاح إلى الكثيرين منهم، وعن عاطلين عن العمل في العشوائيات وكثير من المدن.

يعتمد السائل أيضاً على ما يعتقد أنه الأهم. يعدد الشواهد الدالة على أننا لم نعد أمة بهوية واحدة، بل كثرت وتفاقمت هوياتها الثانوية وتدافعت لتحصل على صفة الهويات الأساسية... تنافست على إبراز الكراهية لبعضها البعض. وبين يوم وليلة «تأدلجت» هويات و«تمترست» أخرى خلف المقدسات. راح السائل يقدم الدليل بعد الدليل على أن المؤسسات تكاد تنفرط تحت وقع ضغوط انقسامات الهوية والنوع والولاء. جاء بالحجة بعد الحجة ليثبت أن عائد السلم الداخلي قد يصبح مع مرور الوقت أقل جاذبية من عائد الاقتتال والنهب واحتلال تجمعات سكنية. عرض صوراً ووثائق تؤكد بما لا يقبل الشك وجود قوى وعناصر أجنبية مزودة بأموال هائلة تحميها ميليشيات مسلحة تدين بعقائد أو تفسيرات عقائد «مخلقة» في الخارج. لم يكتف السائل بالقرائن والشواهد التي زودنا بها فأضاف معلومة كثيرة التداول عن ثقوب غزيرة في أستار حدودنا تجاوزت حدود المعقول والمقبول. بعد كل هذا يريد السائل، وسائلون كثيرون، الاستماع إلى إجابة تحدد موعداً لنشوب حرب أهلية في مصر، يعتقدون أنها لا محالة واقعة.

***

لم نجرب كشعب حالة من الحالات الثلاث. لم نجرب الضياع الذي دفع بالناس لتسأل إلى أين نحن سائرون. ولم نجرب الجوع ولا الظروف الممهدة له والمحبطة به التي تجعل البعض منا يسأل عن موعد زحف ملايين الجوعى. ولم نكره يوماً أنفسنا أو بعضنا البعض الآخر، ولم نتطرف أو نمارس الإرهاب ضد أهلنا ومؤسساتنا، ولم نهدم بعـد الأهرامـات وننسف أبو الهول كما فعل الطالبان بتماثيل بوذا، حتى يحق لمواطن من بيننا أن يسأل عن موعد نشوب الحرب الأهلية في بلدنا.

كل سائل من هؤلاء السائلين يتصور نمطاً معيناً لسلوك أمة فقدت طريقها وجاع مواطنوها وكرهت نفسها وينتظر أن تلتزم مصر هذا النمط. ومصر لا تلتزم ولا أظن أنها ستلتزم نمطاً معيناً في تحـديد وجهتها وثورة جياعها وحربها الأهلية. إجابتي على الأسئلة الثلاثة واحدة. مصر ضائعة بالفعل ولا تعرف أين هي ذاهبة. ثورة الجياع، مستعرة منذ أعوام، وأبطالها بائعون جوالون احتلوا قلوب مدنها، وأطفالُ حجارة ومجرمون وذوو سوابق ومتقاعدون وأهل معاشات وعاطلون عن العمل. والحرب الأهلية ناشبة في غالبية محافظات مصر، ضحاياها بالمئات وجرحاها بالآلاف، الغضب المتجدد يرعاها والانتقام الأسود يزيدها اشتعالاً.

***

أفضل لمصر، ولكي نتدبر بحكمة طرق الخلاص، أن نعترف بأن الضياع حاصل وثورة الجياع ناشبة والحرب الأهلية مشتعلة في صور غير مألوفة من أن ننكر الواقع ونستمر نسأل متى يقع.

14/3/2013

Pages