كتاب " قوس الأزمات الإقليمية " ، تأليف جميل مطر ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
You are here
قراءة كتاب قوس الأزمات الإقليمية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الأسئلة متواترة وإجاباتها حاضرة
كادت الأزمة في مصر تصل إلى نقطة اللاعودة لولا أن محكمة أصدرت حكماً في انتخابات برلمانية كانت ستجرى في موعد حددته رئاسة الجمهورية التي أسرعت فأصدرت في لمح البصر قراراً بالرضوخ إلى حكم المحكمة.
***
لم تكن الأجهزة الأميركية الجهة الوحيدة التي تنبهت إلى خطورة التداعيات المحتملة لما آلت إليه أحوال مصر، فقد سبقتها روسيا وألمانيا وفرنسا واسرائيل والمفوضية الأوروبية. وفي سابقة غير مألوفة قررت كل من «الواشنطن بوست» و«بلومبيرج» نشر مقال بتوقيع مجلس تحرير كل منهما يدق أجراس الخطر. كان مقال «بلومبيرج» الأقوى لأنه لم يتردد في القول بعبارة صريحة وواضحة أن كل البدائل المطروحة للخروج من الأزمة المصرية «تدعو للاكتئاب»، وبخاصة بديل الجيش، إذا تدخل، سواء أخذ تدخله الأسلوب التركي والباكستاني أم الأسلوب الذي سبق أن جربه هو نفسه. فالتداعيات الإقليمية ستكون بالغة، وبديل الجيش إذا لم يتدخل قطعياً، وبديل الجيش إذا قرر أن يتدخل بعد فوات الأوان، فالدولة عندئذ في الحالتين فاشلة لا محالة.
هكذا أيضاً يبدو مصير «بديل الصندوقين» أو ما يسمي بالبديل الاقتصادي - السياسي، والمقصود به تكرار تجربة صندوق الانتخابات وفي أعقابها يقرر الصندوق الآخر، وهو في هذه الحالة «صندوق النقد الدولي» منح مصر القرض الموعود الذي يحلم به حكام مصر وجماعاتها الإسلامية وأحزابها السياسية والمستثمرون، تحلم به كل الأطراف ما عدا المواطن المصري العادي. الواضح حتى الآن هو أن اعتماد هذا البديل على سلمية الشارع وتوافق الطبقة السياسية وحد أدنى من كفاءة الحكم وخبرة المفاوض المصري يجعله غير قابل للتحقيق.
***
أذهب إلى أماكن كثيرة وأقابل شتى أنواع المصريين والأجانب. أينما ذهبت أجد في انتظاري ثلاثة أسئلة.
السؤال الأول: إلى أين نحن ذاهبون؟
لم يسألني أحد هذا السؤال وكان ينتظر إجابة. ومع ذلك فهو السؤال الأوسع شيوعاً والأكثر تردداً بين كل الأجيال والطبقات والفئات. سؤال لا تسمعه من مواطن مطمئن في مجتمع مستقر، ولا من مواطن في دولة تديرها سلطة تحظى بثقة جماهيرها.
ما يبدو لغالبية المصريين ضياعاً في اللانهائي واللا مألوف قد لا يكون في ذهن متفائل سوى انقطاع مؤقت في مسيرة قريباً تستقيم، وفي رؤية خبير في مركز تخطيط لا يزيد عن تخبط بعد انزلاق تسبب فيه جهل السائق بالطريق ومسالكها وعراقيلها، و جهله بحمولته بشراً كانوا أم أصولاً مادية وثقافية وإنجازات حضارية وأحلاماً كباراً. هذه الحالة من الضياع والدمار والقتل تراها فئة متطرفة وشرسة جراحة ضرورية لاستئصال أورام تقدمية وليبرالية وعلمية خبيثة انتشرت في جسد مصر في أعقاب سقوط نظام الخلافة، وتراه فئة ليبرالية كميناً منصوباً لقوى الإسلام السياسي لتعلن فشل مشروعها.
أغلب الذين وجه إليهم السؤال اعترف بأن الإجابات لم تلب حاجة السائلين ولا فضولهم. خرجت إجابات متفائلة إلى حد أنها جلبت على أصحابها الاتهام بالاستهانة بذكاء السائلين. خرجت إجابات أخرى في أغلفة أكاديمية أو نظرية إلى حد أثار حفيظة السائلين وأعاد إلى الذاكرة حديث الثورة عن مسؤولية المثقفين والصفوة عن انحدار مصر. ثم هناك الإجابات المتشائمة بقسوة وبعضها بلغ مشارف العدمية.
السؤال الثاني: هل نحن على أبواب ثورة جياع؟
هذا السؤال يمكن أن يحمل في ثناياه معنى أن مصر تقف فعلاً على أبواب ثورة جياع وأن موعد فتح هذه الأبواب ليس أكثر من مسألة وقت وفرصة. لاحظت، وتأكدت ملاحظتي بملاحظات مماثلة، أن هذا السؤال غالباً ما يصدر عن شخص يعيش فوق مستوى الجوع، ويخشى أن تحرمه ثورة الجياع إن انفتحت أبوابها من المميزات القليلة أو الكثيرة التي يوفرها له هذا المستوى، مستوى ما فوق حد الجوع. لا أظن أن أحداً يعيش وعائلته عند حد الجوع أو تحته أوقفني ليسألني إن باتت مصر على مشارف ثورة الجياع. السؤال لا يسأله جائع لأنه يتضمن في جوهره الرغبة في تجديد الثقة في أن المؤسسات مازالت قادرة على منع نشوب ثورة الجياع، أو الاقتناع بأن الأبواب لاتزال بعيدة والفرص متوافرة لإبقائها موصدة في وجه الجياع، ومن هذه الفرص الاقتناع المتوارث منذ أيام حكم مبارك بأن أياً من أميركا وإسرائيل وأوروبا ودول الخليج لن تترك مصر للجياع.
السؤال عن ثورة الجياع قد يصدر عن أشخاص لديهم يقين دفين بأنها قادمة لا محال، وأن لا حائل يقف ويعطل قدومها، سوى أبواب قليلة، وهي ليست موصدة على كل حال. هؤلاء يعتقدون أن المؤشرات كافة تدل على أنه لو قرر الجياع الزحف على المدن، فلن يجدوا مقاومة تحول دون وصولهم إلى مآربهم. بعض المنشغلين بهذا السؤال يقضون الساعات في رسم خرائط توضح نقاط التجمع التي سينطلق منها الجياع والمسارات التي سيسلكونها والأهداف التي سينقضون عليها. هنا يتحول السؤال من مشقة الفضول المشروع، ثورة جياع أم لا ثورة جياع، إلى رفاهة الانشغال بحبك رواية تنتمي إلى الخيال العلمي تصور حالة نموذجية من حالات تاريخية أعقبت مجاعات وحروباً مدمرة وتعميمها على وضع متخيل لمصر.