كتاب " قوس الأزمات الإقليمية " ، تأليف جميل مطر ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
You are here
قراءة كتاب قوس الأزمات الإقليمية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
المسألة المصرية تزداد تعقيداً
لم يعد خافياً أن عدداً من الدول يعيد النظر في موقفه من مصر الإسلامية خاصة ومن تيار الإسلام السياسي عامة، بعد فترة حظي فيها هذا التيار بقبول أميركي وبفرص غير قليلة ليتمكن من ترسيخ قواعده. حانت الفرصة الأولى مع سقوط أنظمة استبدادية تحجرت في الحكم وعطلت مسيرة التنمية ورفضت استباق الثورات بتبني ما كان مطروحاً من مبادرات تغيير وإصلاح.
استفاد من هذه الفرصة وغيرها جماعة «الإخوان» في مصر. وأظن انه بالفائدة التي تحققت لها ولحزب النهضة في تونس تجدد الأمل في عواصم عديدة وبخاصة في واشنطن، من أن الفرص الأخرى ستكلل أيضاً بالنجاح مثل الفرصة الأولى. وبالفعل، انهمر سيل الاجتهادات الساعية إلى تطوير خطط الاستعداد للقبول بتيار الإسلام السياسي حاكماً ومهيمناً على إقليم شاسع يضم دولاً أغلب شعوبها من معتنقي الإسلام، وأغلب هذه الدول تخضع لحكومات وجدت صعوبة في الانتقال بشعوبها إلى مرحلة جديدة تتوفر فيها الحريات والحقوق السياسية للمواطنين.
كان يمكن أن يحقق هذا الدعم نقلة نوعية نحو الاستقرار لو أن قمة «النظام الإسلامي الحاكم» في مصر حاولت ونجحت في تطوير سلوكيات قادته بسرعة لتتناسب مع مجتمع يمر بظروف غير عادية ومتلهف على ثورة لا تريد أن تكتمل ويستعجل قطف ثمار عاش رجاله ونساؤه وشيوخه وشبابه في انتظارها. يبدو واضحاً لي، ولآخرين يزداد عددهم كل يوم في مصر وخارجها، ان قادة هذا النظام لم يستعدوا لاحتمال ان يتولوا مسؤولية حكم مجتمع يمر بهذه الظروف المعقدة، وربما لم يستعدوا في الأصل لاحتمال ان يتولوا مسؤولية حكم مجتمع في أي ظروف. يظن البعض، وله العذر، أن نضالات هذه الجماعة وعذاباتها وصعودها وانحدارها وأنشطتها كانت جميعها كتروس عجلة تدور في مكانها، نفعها عائد لها وحدها وصوتها أعلى من فعلها.
سمعت مسؤولاً غربياً يشرح ويحلل ويبرر. قال: «رهاننا كان على جماعة تحمل سمعة دقة التنظيم وطول العمر والبراغماتية السياسية. كان الرهان أيضاً على نسبة كبيرة من الشـعب المـصري وشـعوب عربية أخرى مستعدة لمنح جماعة الإخوان المسلمين فرصة لتحقيق استقرار بأسرع ما يمكن، وتفكيك الأزمة الاقتصاديـة تمـهيداً لحلـها. وكان الرهـان كذلك على ان نجاح «الإخوان» في مصر يؤهل مصر لتشييد نظام إقليمي إسلامي جديد، دعائمه السمعة التي قام عليها رهان الغرب على حكم الإخـوان في مصر: استقرار سياسي سريع، حل المشكلات الاقتصادية، الهيمنة على القوى المتطرفة في تيار الإسلام السياسي واخضاعها لقواعد جديدة في السلوك السياسي».
اشترك آخرون في الحوار وبينهم خبير في العلاقات الخارجية الأميركية علق معرباً عن موافقته على تحليل المسؤول الغربي ولكن معلناً أن هناك خيبة أمل، لم تصل بعد إلى حد اليأس وإن اقتربت بشدة. خاب الأمل في واشنطن وربما في برلين وباريس ولندن من أن قيادة الإخوان في مصر لم تطور لنفسها مدونة سلوك سياسي يساعد من في الخارج كما من في الداخل على التمييز بين إرادة الجماعة وإرادة الحزب وإرادة حكومة الحزب وإرادة رئيس الدولة والجهاز المطوق له مباشرة. شرط استقرار العلاقات سواء الدبلوماسية أم الحزبية هو وضوح المسؤوليات وحدودها.
كثير من اللوم، وإن من النوع الناعم، يلقونه على «الإخوان». يرددون أن آمال الغرب تعلقت بهم ليقودوا في مصر وغيرها ملتزمين شروط الديموقراطية الغربية وحرية التجارة والتحديث الديني. ومع ذلك يعترف خبراء كثيرون في الغرب بأنهم هم أنفسهم لم يتوقعوا أن الصعوبات ستكون إلى هذه الدرجة معقدة ومتشابكة.
لم يكن متصوراً، ولم يتوقعوا، أن يكون الرأي العام في مصر كما في تونس معارضاً التشدد في تفسير الدين إلى هذه الدرجة. الشعبان متدينان وأثبتا هذا التمسك بالدين في لحظات عصيبة من ثورتيهما، ولكن كلاً منهما أثبت في الوقت نفسه أنه غير مستعد للخضوع لسلطة دينية تستخدم أدوات السياسة لتفرض عليه فهماً معيناً للدين وتضيف تقليصاً جديداً إلى حرياته المنقوصة أصلاً.