You are here

قراءة كتاب الاستشراق ومناهجه في الدراسات الإسلامية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الاستشراق ومناهجه في الدراسات الإسلامية

الاستشراق ومناهجه في الدراسات الإسلامية

كتاب " الاستشراق ومناهجه في الدراسات الإسلامية ، تأليف د.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: دار المناهج
الصفحة رقم: 3

أما المراحل التي مرّ بها الاستشراق فيمكن توزيعها على الشكل التالي:

أولاً: المرحلة المبكرة

وهي المرحلة التي نقل الكنسيون فيها علوم الكنيسة وفلسفة اليونان من حاضرة العرب (بغداد) وغيرها من البلدان العربية إلى روما حيث كانت الكنيسة في احتضار فكري..

وكانت هذه المرحلة قد بدأت منذ وقت مبكر في تاريخ الإسلام فكان أعظم ما قام به العرب إلى جانب نشرهم الإسلام وتأليفهم في علومه المختلفة، قيامهم بترجمة آداب وفلسفات العالم وخاصة اليونانية والرومانية والهندية والفارسية، ومناقشتها والرد عليها، فكانت علوم الكنيسة، من العلوم التي تناولوها بالترجمة والنقد والمناقشة.. ولاشك في أن بعض الفلاسفة المسلمين قد استفادوا من الفلسفة اليونانية ومزجوها بالفكر الإسلامي وجعلوا من بعض فلسفات الإسلام محاكية لليونانية. ولكن – وبدون أن نبخس حق هذا المزيج الفكري الفريد – لابد أن نعود إلى القول بأن الفكر الإسلامي لم يكن بحاجة بذاته لهذه الفلسفة، فلقد آمن الناس به بدونها وانتشر قبل معرفتها ولا يعود لها أي فضل على الإسلام، فإن كان هناك من فضل، فالفضل هو للإسلام على أمم الغرب، فبدون هذه الترجمات وبدون الفلسفة الإسلامية التي حاكت فلسفة اليونان. لم يكن لدى الكنيسة في روما قدرة على ترجمة آثارها اليونانية والرومانية وخاصة في العصر الذي أطبق الجهل فيه على شعوب أوروبا. وقد وفد على حاضرة المسلمين – بغداد – وكذلك غيرها، عشرات من كتاب الكنيسة لينهلوا من علوم الإسلام ويصلوا إلى المؤلفات اليونانية ومناقشات العرب المسلمين عليها ليترجموها بعدئذ إلى لغاتهم وخاصة اللاتينية، لغة الكنيسة آنذاك لتعتمدها في نشر أفكارها ويمكن عد رحلاتهم هذه كموجة استشراقية أولى بالمعنى الذي نقصده، فقد تعلموا خلالها العربية ونقلوا علومها إلى شعوبهم. إلا أنهم نقلوا أفكاراً مشوهة عن العرب والمسلمين، وصوروا نبيهم ودينهم أبشع تصوير فصوروا الرسول (ص) كاردينالاً منشقاً على البابوية طمع في كرسيها فلما خابت آماله ادعى النبوة، ولصا «وقاتلا وزير نساء وكافراً وساحراً ودجالاً وخائناً وفاجراً» وشيطاناً وإرهابياً يشيع الموت وينشر الدمار، وداعية إباحية اتخذ من شيوعية المرأة وسيلة لهدم الكنيسة المسيحية وفضائل الأخلاق([2]).

وصوروا الإسلام مزيجاً مشوهاً مستقى من أصول مسيحية ويهودية تلقاها الرسول (ص) من أساتذته أحبار اليهود ورهبان النصارى وقسسهم وصوروا الإسلام أيضاً بصورة زندقة بل "منبع الزندقات" وفرقة منشقة عن الكنيسة. وصوروا القرآن الكريم بأنه كتاب يناقض بعضه بعضاً وغير منسجم في أفكاره وغير منتظم فيما يحويه وكل ما فيه يخالف العقل ويعوق الفكر "أما المسلمون فهم وحوش وأبناء شياطين وأهل لواط ومشركون يعبدون مجمعاً من الأصنام".

وكانت معظم هذه الصور قد دونها القديس يوحنا الدمشقي الذي عاش في العصر الأموي في دمشق، وبعضها في رسالة منتحلة نشرها مؤلف يدعي أنه كان مسلماً وارتد عن الإسلام وآمن بالمسيحية، اسمه عبد المسيح بن إسحاق، وكان المستشرقون من المبشرين المسيحيين قد أعادوا نشرها في القرن التاسع عشر بلندن([3]) - وذلك لتخدم أغراضهم في الطعن بالأمة العربية وتراثها المقدس. ولقد ساعدهم ذلك الدس والافتراء على تأجيج حقد الشعوب المسيحية على العرب والمسلمين فضلاً عن أحداث أخرى استغلتها الكنيسة لتزحف بشعوبها نحو البلاد العربية في حرب صليبية كان لها هدفان:

الأول: تهديم معالم الإسلام وإنهاء دوره الذي طغى على دور الكنيسة آنذاك.

الثاني: إيجاد مستمرات في الأراضي العربية ينقلون إليها مراكز حكمهم بعد أن اشتد الصراع فيما بين أمراء وملوك أوروبا وما بين بابا روما على السلطة. وقبل أن ننتقل إلى المرحلة الثانية من مراحل الاستشراق لابد من التنويه إلى أن دراسات الغربيين لأحوال الجزيرة العربية أو الشرق قد سبقت عصر الصليبيين بكثير، وحسب آراء المؤرخين، فقد عثر على كتاب لمؤلف غربي مجهول اسمه (الطواف حول البحر الأرتيري) يعود حسب رأي الدكتور جواد علي إلى نهاية القرن الأول للميلاد([4]).

وظهرت معلومات مفصلة عن الخليج العربي عن (فلافيوس اريان) اليوناني في مؤلفاته عن حملات الإسكندر في الخليج العربي، كما أن المؤرخ (سترابو) الذي رافق حملة ليوس غاليوس سنة (25) للميلاد – وكان الغرض منها السيطرة على اليمن وطرق تجارتها – قد تحدث في مؤلف له عن مدن العرب وقبائلهم ووصف أحوالهم التجارية والاجتماعية والاقتصادية([5]). وليست محاولات البرتغاليين لاستعمار المنطقة العربية والسيطرة على التجارة في الخليج عبر المحيط الهندي والبحر الأحمر فيما بعد، بخافية على أحد. فقد سبقتها "حركة نشطة يطلق عليها اسم حركة الاستكشافات الجغرافية وهي حركة استكشافات علمية في ظاهرها من أجل الوصول إلى المناطق المسيطرة على طريق الهند التجاري، ولكنها في واقعها وبما استطاع روادها من جمع معلومات جغرافية واجتماعية واقتصادية مفصلة عن المنطقة، مهدت السبيل وقدمت العون الكافي للقائد البرتغالي البوكيرك في أثناء توغله العسكري في منطقة الخليج العربي وغزوه عدداً من المراكز فيها غزواً عسكرياً مضطهداً عرب المنطقة بوحشية. وكان هدفه من ذلك إضعاف هيمنة العرب التجارية والاستحواذ على مصادر التجار والثروة في الخليج العربي"([6]).

وعلى كل حال فالمجال لا يسع ذكر كل المساهمات الغربية في وصف المناطق العربية وسكانها سواء أسبق ذلك الأمر الحروب الصليبية أم بعدها، مما ساعد كثيراً في التوجه نحو البلاد العربية وغزوها واضطهاد سكانها.

ويميل بعض المؤرخين إلى عد تلك المساهمات جزءاً من حركة الاستشراق الغربية([7]) أما آخرون فلا يعدونها حركة استشراق بالمعنى العلمي الذي اصطلح عليه([8]). وعلى أية حال فأن تلك المساهمات لا يمكن إغفالها حيث كانت البداية لحركة استشراقية أعمق وأغزر دخلت مرافق الحياة العربية والإسلامية وكان لها تأثيرات بالغة الأهمية سنأتي على ذكرها.

Pages