كتاب " الاستشراق ومناهجه في الدراسات الإسلامية ، تأليف د.
You are here
قراءة كتاب الاستشراق ومناهجه في الدراسات الإسلامية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
أهداف الاستشراق
ويمكن حصر أهداف المستشرقين في دراساتهم العربية والإسلامية في أمرين:
الأول: أن يتعرفونا فتكون معرفتهم بنا صورة ينقلونها إلى بلدانهم وشعوبهم تلك الصورة التي تشكل مجموعة من المعرفة الحضارية والنفسية والتاريخية والثقافية. فكانت تلك المعرفة عبارة عن إرث عظيم، يندر أن يتعرفوه عند غيرنا. حيث كان العرب والمسلمون يعيشون عالماً متحضراً لم تعشه الشعوب الأخرى. لأن الشعوب التي عاصرت شموخ الحضارة العربية الإسلامية كانت تغط في نوم وجهل كبير. ويشكل ذلك الإرث الذي وجدوه مؤلفات ومخطوطات فيها كل ما يريدون معرفته عن مدة تعد من أعظم عصور الحضارة الإنسانية، إلى جانب قيم موروثة يصعب انتزاعها من الشعب العربي في أية مدة زمنية يعيشها. والتفاف بين الحاضر والماضي يصعب فكه.
الثاني: أن تعاد إلينا تلك الصورة التي كونوها عنا بعد أن ركزوا على الماضي منها فقط، ففصلوا الحاضر عنها متقصدين خلق هوة سحيقة تفصل بين ذلك الماضي وبين الحاضر الذي أهملوه. ولا يمكن فصل هذه الأهداف عموماً عن خبث وذكاء الاستعمار الغربي منذ نشوئه فهما أصحاب هدف مشترك.
جاء كثير من المستشرقين كما جاء المستعمرون من قبلهم – ومن بعدهم أيضاً إلى ماضينا العظيم. فدرسوه وشكلوا له الجمعيات المختلفة وتحت عطاءات علمية مكثفة ومدعمة بقدر كبير من مساعدات المخابرات الغربية، وذلك للاهتمام بنقطة تصوروا أنها تشكل نقطة يريدون من خلالها أن يصطادوا بالماء العكر، فدفعوا بآلاف الباحثين ليدرسوا تلك النقطة – أي الماضي – فينقلبوا في زوايا مكتبتنا وتحت أراضينا، جاعلين منه عملاً راحوا يتطاولون في بنيانه، فتمكنوا بجهودهم المضنية أن يقنعونا بجدية اهتمامهم به. فرحنا نزداد به التصاقاً أكثر مما كنا عليه قبلهم. حتى باتت جامعاتنا وصحفنا ووسائل إعلامنا لا تتحدث إلا عن ذلك الماضي، وبمعنى آخر، لقد جعلونا نعيش ذلك الماضي.
أما الحاضر، فقد قصدوا إلى زرع أوهام له في أعماقنا إذ جعلوا الكثير من عملائهم على المستويات السياسية أو الثقافية – في فترات التحرر القومي في مطلع هذا القرن وإلى زمن قريب جداً، تقول لنا: أننا لا نملك من الحاضر شيئاً، فالصناعات قد تطورت في الغرب. والعلوم قد شقت طريقها في الغرب. وكل ما يمت إلى الإنسان اليوم، تجده في حياة الغرب وثقافته وأدبه. وحتى ماضي العرب المجيد نجده في حاضر الغرب أما العرب، فقد قصد الجميع إلى زرع الاعتقاد في نفس المثقف العربي، بأن لديهم ماضياً يتغنون به. وليس هنالك ما يقال عن شيء اسمه الحاضر فحاضرهم في الغرب، يستهلكون ما يقوله وما يفعله وما يقدمه الغرب فقط، وحتى ماضيهم فلم يعودوا يقولون فيه شيئاً إلا بعد أن يقول الغرب رأيه فيه. كان الاستشراق يريد منا ذلك. وأصبح كثير من أساتذتنا وعلمائنا يعتدون بأمر المستشرق ويقارنون بين ما يحكمونه وما يرويه المستشرق. فيكون كلام المستشرق هو القول الفصل والحكم فيما يروونه.
لقد هدف الغرب إلى استعمار عقولنا قبل أن يغزوا أرضنا نعم. فقد كانت هناك ولا تزال "ثقافة غربية تتسلل إلى عقل إنساننا في هذه المنطقة بأساليب مباشرة وغير مباشرة لتوجيهه لمصالح الغرب"([14]) وبهذا الطريق. هدم المستشرق ذلك وأذل علمنا، لأنه أخضع كل علومنا لمقاييسه هو. وصوره وأطره هو تحت اسم البحث العلمي الرصين وطرق البحث الجديدة والنظرة العلمية المجردة. فاستطاع بطريق ذلك أن يستعمر ماضينا إلى حدٍ ما، كما استعمر حاضرنا. لذلك فإن أعمالهم الخبيثة قد اتجهت إلى ما يأتي:-
1. بعد أن نجحوا في شدنا إلى الماضي فقط راحوا يشككون به، ويزيفون بعضاً من حقائقه تزييفاً يرفضه أي مفكر. وقد برز بينهم من يكشف ذلك التزييف دفاعاً عنا، يثبت من خلال ذلك، إخلاصه وعلميته إلا أنه يمرر من خلال ذلك أمراً أهم وأقوى.
2. أن يغلبوا أموراً ليست ذات قيمة تاريخية على حقائق ثابتة بطريق تحقيق مخطوطات لم تنل عناية الماضي فجعلوا لها حاضراً درسوا من خلاله الماضي فنشرت دواوين وأشعار وفلسفات طائفية وأراء فقهية متهافتة لم يلتفت ذلك الماضي الزاهر لها. فجعلوا حولها أطراً "لدراسات اجتماعية سياسية وأخرجوا من خلالها نظريات لتحليل الفرد العربي والمجتمع العربي ربما لا تصل إلى مرتبة القبول فجعلوا منها حقائق راحوا يبنون عليها، فأصبحت بمرور الأيام بديهيات يعتمدها الغربي في بحوثه وكأنها حقائق ثابتة. ونجحوا في أن يجروا الكثير من أبنائنا للأخذ بها مقاييس لدراسة ذلك الماضي العظيم كما أن هناك" الهاء لعامة الناس عن الأمور الجدية والمفيدة الأساسية في حياة المجتمع ومستقبله وطرح القضايا الجانبية على أنها أساسية والترويج لها"([15]).


