You are here

قراءة كتاب الاتحاد الأوروبي كظاهرة إقليمية متميزة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الاتحاد الأوروبي كظاهرة إقليمية متميزة

الاتحاد الأوروبي كظاهرة إقليمية متميزة

كتاب " الاتحاد الأوروبي كظاهرة إقليمية متميزة " ، تأليف د.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

مقدمة

لقد شهد النصف الثاني من القرن العشرين تجارب متنوعة هدفها تحقيق التكامل والاندماج الإقليمي في مناطق متنوعة من العالم، ولكن التجربة الأوروبية هي وحدها التي استطاعت أن تفرض نفسها، وأن تحتل موقعا فريدا ومتميزا بين جميع هذه التجارب. ويرجع هذا التميز إلى عدة أسباب، من أهمها: حجم الإنجازات التي حققتها التجربة الأوروبية، وكذلك خصوصية المنهج المستخدم في بناء العملية التكاملية ذاتها. ويكاد يجمع معظم الباحثين والمتخصصين، إن لم يكن جميعهم، على أن تجربة التكامل والوحدة في أوروبا تعتبر أهم وأنجح تجارب التكامل الإقليمي على الإطلاق، وأغناها بالدروس المستفادة. وذلك لأن هذه التجربة قد أكدت وبالدليل الواضح المستمد من الممارسة العملية، على أن نقل نمط العلاقة بين مجموعة من الدول المتجاورة إقليميا وغير المتجانسة ثقافيا، من حالة التشتت والصراع إلى حالة التعاون والتكامل وصولا إلى الوحدة، هو أمر ممكن، بشرط توافر ظروف وعوامل دولية وإقليمية ومحلية خاصة. وبخاصة بعد أن استطاعت هذه التجربة أن تبتكر من الأدوات والتقنيات والآليات ما مكنها من مواجهة عوامل وظروف التنافر وعدم التجانس، والتي كانت قد أفشلت الكثير من محاولات التكامل والاندماج الإقليمي في العديد من مناطق العالم، سواء من سبقت التجربة الأوروبية أو جاءت بعدها.

ولقد تطورت هذه التجربة الأوروبية في التعاون والتكامل الإقليميين على مدى أكثر من نصف قرن إلى أن أصبحت على مشارف وحدة سياسية تضم غالبية الدول الأوروبية. وقد كانت هذه التجربة الحديثة في ختام حركات توحد بين العديد من الولايات الأوروبية سواء بالتراضي أو بالضم القهري الذي تسبب في حروب متتالية، التي كان أكثرها قسوة الحربين الكبيرتين واللتان امتدت نيرانهما إلى العالم كله. وقد اجتهد عدد من المفكرين في صياغة ما يرونه أفضل السبل إلى تحقيق وحدة أوروبية. فتطور التجربة قد أفرز أوضاعا جديدة تفتح أبوابا أخرى للتحليل ولاختلاف الرأي.

فلقد تمكن الاتحاد الأوروبي من إنجاز كل ما أمكن تحقيقه، وذلك بفضل بنية مؤسسية وتنظيمية جعلت منه نظاما سياسيا وقانونيا ذا طابع مميز وخاص؛ فهو فاعل دولي له خصائص وسمات فريدة، يشكل ظاهرة ونظاما سياسيا وقانونيا يختلف عن كل أشكال النظم السياسية والقانونية المعروفة عن الفاعلين الدوليين. فهو لا يشكل دولة، وإن كان نظامه السياسي والقانوني يتصف ببعض الخصائص التي لا توجد إلا في الدول الفدرالية أو التعاهدية. وليس هو بمنظمة دولية حكومية، وإن كان نظامه السياسي والقانوني يتسم ببعض السمات والخصائص التي لا توجد إلا في المنظمات الدولية الحكومية، وليس هو بالطبع منظمة دولية غير حكومية، لأنه كيان دولي حكومي قام باتفاق إرادي بين الدول والحكومات الأوروبية المختلفة. وذلك بعد ظهور أشكال ومؤسسات مهمة للتعاون والاعتماد المتبادل بين الوحدات الدولية، وكذلك ظهور الكثير من المسائل والقضايا التي يتطلب حلها أشكالا متعددة من التعاون الدولي.فنحن هناء أمام ظاهرة إقليمية متميزة، تدعى الاتحاد الأوروبي، الذي يعد ثمرة هذا الجهد الأوروبي المتواصل منذ أكثر من نصف قرن.

أهداف الدراسة وأهميتها:

تنبع أهمية دراسة الاتحاد الأوروبي كظاهرة إقليمية متميزة من عدة مبررات كان لا بد من الحديث عنها، وكما يلي؛ أولا: تعد تجربة الاتحاد الأوروبي من أكثر التجارب التكاملية والاندماجية([1]) الإقليمية نجاحا. فدراستها مطلوبة من أجل التعرف على العوامل والأسباب التي ساهمت في تحقيق هذا النجاح على المستويين الداخلي والخارجي. ثانيا: وجود بعض النقص في الأدبيات العربية، التي تناولت الحديث عن هذه الظاهرة الإقليمية غير واضحة المعالم في جوانبها المختلفة. فالحاجة كبيرة إلى دراسة موضوعية للتجربة الأوروبية بكل أبعادها المختلفة، علما بأن معظم الدراسات العربية التي تناولت تجربة التكامل والوحدة في أوروبا، قد تبنت، على الرغم من قلتها، مواقف وأحكاما، متأثرة إلى حد كبير بالطابع العقائدي أو الأيديولوجي، وأدت أيضا إلى الترويج لمواقف متطرفة وأحيانا متناقضة. لذا فإن الأمر يتوجب المزيد من البحث والدراسة. ثالثا: محاولة التعرف على خصوصية هذه الظاهرة ومميزاتها على الرغم من عدم نضجها والغموض الذي يعتريها في بعض جوانبها الهيكلية، حتى كتابة هذه الأسطر. رابعا: محاولة الوصول إلى العبر من هذه التجربة لتعميمها والاستفادة منها، وبخاصة في ضوء التحولات العالمية التي ظهرت منذ أواخر القرن الماضي التي ما زالت مستمرة حتى أيامنا الحاضرة.

ويبرز هدف الدراسة الأساسي من خلال تلك الاعتبارات السابقة، بالوقوف على تميز الظاهرة الإقليمية الأوروبية المتمثلة بالاتحاد الأوروبي في أبعادها التنظيمية والهيكلية، وكذلك في أهميتها كمتغير في النظام والنسق الدولي وكفاعل اقتصادي وسياسي يحاول أن يصبح قطبا دوليا فاعلا.

Pages