كتاب " التعلم المدمج بين التعليم التقليدي والتعليم الإلكتروني " ، تأليف د.مفيد احمد ابو موسى و
You are here
قراءة كتاب التعلم المدمج بين التعليم التقليدي والتعليم الإلكتروني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
التعلم المدمج بين التعليم التقليدي والتعليم الإلكتروني
يمكن تعميم النظرة السابقة على جميع فروع المعرفة العلمية أو الأدبية فحسب تلك النظرة يركز معلم اللغة العربية مثلا على عرض القواعد والأصول اللغوية كوسيلة وحيدة يرى أنها تدريس اللغة العربية. وهذه النظرة تتفق والنظرية السلوكية في التدريس وترى أن المحاضرة وعرض المفاهيم والتعميمات والمهارات المتعلقة بالموضوع بشكل مباشر هو أفضل وأقصر الطرق لشرحها وتوصيلها للمتعلم.
أما النظرة الأخرى لطبيعة الموضوع المعرفي فتنبع من التحليل الاجتماعي للمعرفة معتمدا على الممارسة المستمرة لمختصي الموضوع المعرفي وممارسي تدريسها، فيصف هؤلاء الرياضيات مثلا بأنها نوع من النشاطات الذهنية، وبأنها بناء اجتماعي يتعلق بالحدس والبراهين ودحضها، وأن التغيرات في هذه البراهين ودحضها يرتبط بالتغيرات الثقافية والاجتماعية، وعند هؤلاء فإن معرفة الرياضيات هي العمل بالرياضيات (knowing mathematics is doing mathematics)، ومفهوم تدريس الرياضيات في هذه النظرة يتمثل في إشراك الطلبة بنشاطات ذات مغزى وهذه النشاطات نابعة من موقف مسألة، يتطلب حل هذا الموقف التفكير بأنواعه، وجمع المعلومات وتطبيق المعرفة والاكتشاف للأفكار الجديدة وتبادل تلك الأفكار واختبارها بالتأمل بطريقة الحل والنقاش مع بقية المجموعة (Thompson,1992). ويمكن تعميم النظرة السابقة على جميع الموضوعات المعرفية الأخرى بنفس الطريقة. وهذه النظرة تتفق والنظرية البنائية أو بالتحديد النظرية البنائية الاجتماعية.
إن وجهة النظر الثانية قد تقودنا للنظر إلى المعلم بأنه مدير للأزمات ومتصد للمشاكل التي تحدث داخل الغرفة الصفية، فيتعامل المعلم مع التناقضات المختلفة في الغرفة الصفية ويقوم بحلها وعلاجها (Brown & Baird, 1993). إن وجهة النظر الثانية لا تنكر أهمية المفاهيم والإجراءات والمهارات والتعميمات المعرفية، بل ترى أن عملية التدريس لا يجب أن تقتصر على نقل تلك المعرفة وممارسة الإجراءات بطريقة آلية ليست ذات معنى للطلبة، إن السؤال الذي يستمر الطلبة في طرحة على معلميهم ما فائدة الموضوع الذي درسناه في حياتنا هل سأستخدم س ، ص عندما أذهب لشراء الأشياء أم هل سأستخدم قانون نيوتن عندما أقود سيارتي!! وغالبا ما يجيب المعلمون بأن المادة المعرفية التي تتعلمونها الآن مهمة في المستقبل وأن استخداماتها سيظهر لكم في حياتكم وفي العلوم الأخرى عندما تذهبون إلى الجامعة، ولعل القصة التالية تؤكد الفكرة السابقة: في الصف الرابع الأساسي كان الدرس حول تقدير الجمع، وكان الدرس كما ورد في الكتاب المدرسي وقامت المعلمة بتنفيذه كما يلي: يجمع الطلبة عددين، ثم يقوموا بتدوير العددين ويقوموا بالجمع ومن ثم يتحققوا من صحة الجمع بطرح أحد العددين من الناتج. وعند سؤال الطالبات عن سر القيام بعملية التدوير في حين أننا حصلنا على الإجابة بشكل دقيق وتأكدنا منها بإجراء العملية العكسية كانت الإجابة: عندما نكبر يا أستاذ سنستخدم التدوير!!!
لعل مثل هذه الإجابة قد تفسر جزءا من المشكلات عند الطلبة. لعل من المسلم به أن ما يعرفه المعلم أو يعتقده، له أثر كبير في ما سيدور في غرفة الصف وفي ما سيتعلمه الطلبة، وأن ما لا يعرفه الشخص لا يستطيع أن يعلمه، ولعل بناء برنامج إعداد المعلمين وتأهيلهم وتدريبهم انطلاقا من المنهاج المدرسي وما يدور حوله هذا المنهاج، يساعد على تمكين المعلمين من امتلاك المعرفة المهمة التي تلزمهم لتنفيذ المنهاج بطريقة فاعلة.
إن البحث التربوي في مجال معرفة المعلم يؤكد عدم وجود اتفاق على ماهية المعرفة التي يجب أن يمتلكها المعلم لكي نضمن تعلم الطلبة، كما أنه لا توجد نظرية واحدة توضح الكيفية التي يتعلم بها الشخص كيفية التدريس، أو الكيفية التي يتعلم فيها فن التدريس وأصوله، وتبرير ذلك أن عملية تعلم فن التدريس هي عملية شخصية ومرتبطة بالسياق الذي توجد به، أي أنه يمكن النظر لعملية تعلم التدريس على أنها زوج مرتب من (الشخصية، السياق)، (personalized, contextualized)، (Mayer, 1999). لعل هذا الزوج ليس مرتبا كما ذكره ماير (Mayer) فالزوج المرتب (س، ص) يختلف عن الزوج المرتب (ص، س) وهذا قد لا ينطبق على وصف عملية التدريس بأنها فقط زوج من (الشخصية، السياق)، فقد تكون أيضا زوجا من (السياق، الشخصية).
لقد أسهمت الجهود الحثيثة المختلفة في توضيح ماهية المعرفة التي يجب أن يمتلكها المعلم لكي يتمكن من التدريس. إن معرفة المعلم بالرياضيات على سبيل المثال كحقل معرفي ضرورية جدا، ولا يكفي أن يعرف المعلم الرياضيات الواردة في المناهج المدرسية فقط، إنما يجب أن يعرف شيئا كثيرا عن الرياضيات التي سيتعلمها الطلبة مستقبلا، فالمعلم بحاجة إلى كم هائل من المعرفة الرياضية لكي يستمر في تدريس طلابه، كما أنه يجب أن يعرف عن ثقافة المجتمع والتعدديات الإثنية فيه ليكون معلما فعالا، بالإضافة لمعرفته بالطلبة وطرق تفكيرهم والكيفية التي يتعلمون، وأن يعرف طرق التدريس ومبادئه (Fennema,1992). ولعل الفكرة السابقة تنطبق على جميع حقول المعرفة.
أكد العديد من الباحثين مثل فينيما وتمسون وكارتر (Fennema,1992)، (Thompson,1992)، (Carter,1990) حداثة مجال البحث التربوي المتعلق بمعتقدات المعلمين والمعرفة الأساسية التي يجب أن يمتلكها المعلم ليتمكن من التدريس، وأنه مجال معقد غير معرف بشكل جيد، ولم يدرس بشكل كاف، حيث أن معرفة المعلم منوعة، وكبيرة، ومتكاملة، ويمكن وصفها بأنها نظام عملي وظيفي، لا يمكن فصل بعضه عن البعض الآخر، كما أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار أنه لا يمكن فصل معرفة المعلم عن اعتقاداته. وقام الباحثون في مجال معرفة المعلم واعتقاداته بأبحاث منفصلة ركزت على جوانب معينة من المعرفة والاعتقادات، ولكن قليلا من الدراسات بحثت تلك الجوانب مجتمعة.
بدأ الاهتمام بطبيعة المعتقدات وأثرها في أفعال الناس منذ بداية القرن الماضي، ثم عاد الاهتمام بذلك الموضوع في الستينيات من القرن الماضي من قبل علماء النفس المعرفيون (cognitive) حيث درس هؤلاء نظام المعتقدات والجوانب المعرفية الأخرى، وفي الثمانينيات من القرن الماضي تزايد الاهتمام بنظام المعتقدات بين صفوف التربويين (Thompson, 1992).
لم تعرف المعتقدات بشكل واضح وكاف في معظم البحوث والدراسات التي تناولت معرفة المعلم واعتقاداته، واعتمد الباحثون على معرفة القارئ لمعنى كلمة معتقدات، وأحد التفسيرات التي قدمت لتبرير عدم الخوض في توضيح معنى المعتقدات، صعوبة التفريق بين المعتقدات والمعرفة، ولقد لاحظ العديد من الباحثين أن المعلمين يعاملون معتقداتهم كمعرفة، ومن الحجج التي سيقت في عدم التفريق بين المعتقدات والمعرفة أن هذا التفريق جدلي بين التربويين وقيمته فلسفية فقط، وأن البحث التربوي يجب أن ينصب على الكيفية التي تؤثر بها معتقدات المعلمين ومعرفتهم في خبراتهم وممارستهم الفعلية (Thompson, 1992). لعل الخوض في مسألة التفريق بين المعتقدات والمعرفة بحاجة لاستقصاء فلسفي مستقل قد يقود لتوضيح تلك المصطلحات ويضع للباحثين لغة تقنية يتحدثون بها، وقد نوقشت تلك المسألة مرة أخرى في الفصل الثاني من هذا البحث بتفصيل أكبر.
فُرِّق في الأبحاث بين المعتقدات والمعرفة بطرق عديدة، وليس الهدف هنا دراسة فلسفية لتلك الفروق، ولعل من أبرز ما ذكر في مجال التفريق بين المعتقد والمعرفة بأن المعتقد لشيء ما يكون واعيا بأن الآخرين يفكرون بطريقة مختلفة، ومثال ذلك: أن يعتقد شخص بوجود عضويات مجهرية على المريخ. إن مثل هذا الاعتقاد مغيب عن النظام المعرفي للشخص نفسه، فهو لا يستطيع أن يقول بأن العضويات المجهرية موجودة على المريخ كحقيقة معلومة، فمن يحمل في تصوره مثل هذا الاعتقاد يدرك بأن الآخرين قد يختلفون في تصوراتهم عنه ولا يحتاج المعتقد أن يبرر ما يؤمن به. مع أنه قد يحكم على معتقده بأنه غير صحيح. أما المعرفة فتتضمن الحقيقة والتأكد من المعلومة فالقول بأن شخص ما يعرف معلومة معينة فإنه لا يحكم عليه بالخطأ أو الصواب، فالمعرفة بناء على هذا المفهوم تعتمد على وجود اتفاق عام على إجراءات معينة للتقييم والحكم على صدق المعرفة، في حين تبرر المعتقدات دون الرجوع لتلك الإجراءات أو الحكم على صدق المعرفة. إن المعتقد يلتزم عاطفيا وجهة نظر معينة. كما يجب الأخذ بعين الاعتبار أن الدليل على صدق المعرفة قد يتغير مع الزمن وقد تتغير النظرية التي تقود الحصول على تلك المعرفة، وقد تحل محل النظرية القديمة نظرية حديثة تغير المعرفة التي حصلت من المعرفة القديمة، وعليه فإن ما يعد معرفة في زمن معين قد يصبح معتقدا في زمن آخر (Thompson, 1992).
إن هناك ازديادا في الأدب البحثي حول موضوع معرفة المعلم واعتقاداته وممارساته، ويؤكد كثيرون أن الاستقصاء المنظم لم يقدم كثيرا عن طبيعة التدريس، وعن حجم الأساس المعرفي الذي يجب أن يمتلكه المعلم ليقوم بتدريس فعال (Tom ,Alan & Valli,Linda,1990).
من خلال الاستعراض التاريخي السريع لتطور البحث في مجال تربية المعلمين عموما (Fennema,1992) و (Carter,1990) و (Tom & Valli 1990)، فإنه يمكن القول إن هذا المجال لا زال حديثا (منذ الستينات، وقبل ذلك لم تكن هناك أبحاث يمكن تصنيفها ضمن هذا الميدان) نسبيا ولم تتشكل قواعده بعد بشكل واضح، فقد اتسمت الدارسات في الستينات بالصفة الإحصائية (Process, Product) والدراسات الارتباطية (Correlation Studies)، وانصب الاهتمام على معرفة أثر تدريب ما، أو تعلم ما، في سلوك المعلم وتحصيل الطلبة، وكان الطموح للوصول لتعميمات نظرية وعلاقات سببية.
ثم تحول الاتجاه البحثي الحديث نحو الفهم، والوصف، والبحث عن المعني المرتبط بالفهم الذاتي، والفهم الاجتماعي لحياة الأفراد، معتمدا على السياق الذي تواجد فيه، من هنا بدأ النظر للتدريس نفسه وما يفعله المعلم فعليا داخل الصف من خلال الوصف الثري للموقف الصفي (Fennema,1992) و (Carter,1990) و (Tom & Valli, 1990) .
إن التركيز البحثي الحالي في مجال معرفة المعلم واعتقاداته منصب على الفهم والإدراك والسياق التدريسي، أي أن هناك تحولا في الابستومولوجيا التي تقود البحث في موضوع تربية المعلمين عامة ومعرفة المعلم واعتقاداته وممارساته خاصة من المدرسة الوضعية (Positivist) التي تنادي بتزويد المعلم بالكفايات التي يمكن أن تقاس سلوكيا، وتتبنى المنحى السلوكي في التدريس، إلى المدرسة التفسيرية (Interpretive) التي تنادي بتغيير الاتجاه السابق إلى الاتجاه الحديث، (Tom & Valli 1990)، (Cooney,1994)، (Carter,1990)، إن الاتجاه الحديث يعرف المشكلة البحثية بالرجوع إلى مفهوم الفرد الذاتي خلال السياق الذي يعيش فيه، ويستدل على هذا الفهم من خلال الملاحظة المباشرة، أو من خلال سماع القصص اليومية التي تحدث مع المعلم، أو من خلال المقابلة الفردية للسؤال عن قضايا معينة، وعليه فإن النتيجة الطبيعة لمثل هذه النظرة الاعتماد على دارسة الحالة (Case Study) كمنهجية من خلال تفحص القصص المروية حول الأشخاص موضوع الدراسة ، ويؤكد هذا الاتجاه ما عرض من أوراق عمل عام 1993 في الاجتماع الدوري لـ( PME-NA)([1]) التي ركزت على مفهوم الممارس المتأمل (Reflective Practitioner)، وتركيز البحث الحديث على إدراك المعلم ومعرفته والعوامل التي تؤثر في ذلك (Cooney,1994) .
في الستينات والسبعينيات من القرن الماضي كان التركيز منصبا على معرفة المعلم المحتوى المعرفي فقط، وكان الافتراض أنه إذا زودنا المعلم بالمواد والأدوات للتغير فإنه سيقوم بتحسين تدريسه، ولكننا الآن ندرك خطأ هذا الافتراض. حيث لم يكن هناك اهتمام بقضية أن المعلم سيعلم بالكيفية التي تعلم بها. إن إدراكنا لهذه القضية لا زال حديثا (Cooney,1994).
ولعل ما قدمه شولمان Shulman (1986) من استخدام لمصطلح المعرفة البيداغوجية للمحتوى (Pedagogical Content Knowledge) (انظر شكل (4)) جاء نتيجة للإجابة عن السؤال التالي: ما المعرفة التي يحتاجها المعلم ليتمكن من تعليم الطلبة؟ وقد أصبح استخدام مصطلح المعرفة البيداغوجية للمحتوى مرادفا لما يجب أن نعرفه ونفهمه لجعل موضوع معين سهلا أو صعبا (Evan & Tirosh, 2002).