كتاب " ظاهرة الترخيم في الدرس اللغوي " ، تأليف د.
You are here
قراءة كتاب ظاهرة الترخيم في الدرس اللغوي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ويقول الأعلم الشنتمري في تفسير كلام سيبويه:
"ومعنى هذا أنَّ المتكلم إذا تكلّم فلا بدّ من مخاطب يخاطبه بكلامه الذي يتكلّم به، فيقول له: يا فلان، كان الأمر كذا وكذا، وإنْ كان المخاطب مُقبلاً عليه جاز أنْ يدعَ يا فلان".)[41](
وكذلك تقتضي الضرورة الشعرية التخفيف في بعض الكلمات؛ ليستقيم الوزن، ويحسن الأداء.
كما أنَّ ترخيم التصغير يقوم أساساً على التخفيف والتسهيل، فيقال مثلا في تصغير مِعْطف: مُعَيْطف. حامد: حُوميد. وتُصغّر للترخيم على: عُطَيف. وحُمَيد.
وهذا الحذف بتجريد الكلمة من زوائدها يؤدي إلى الترقيق والتليين؛ لأنَّ في حذف الزائد تسهيلاً للكلمة بتقليل لفظها، وهو معنى الترخيم لغة.)[42](
ومن دواعي الترخيم ما يستدعيه المقام، فقد روي أنّه قيل لابن عباس أنَّ ابن مسعود قرأ:
﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ۖ﴾ [الزخرف:77]. فقال: "ما كان أشغل أهل النار عن الترخيم". )[43](
ويرى ابن هشام الأنصاري أنَّ الترخيم يكون في الضيق، كما يكون في السعة، فقد روي عن بعضهم "أنَّ الذي حسَّن الترخيم هنا أنَّ فيه الإشارة إلى أنهم يقتطعون بعض الاسم، لضعفهم عن إتمامه".)[44](
أما أبو الفتح عثمان بن جني فيكشف عن سرّ جديد في ترخيم أهل النار لاسم (مالك) في قوله تعالى: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ۖ﴾ وقراءة مَنْ قرأ: (ونادوا يا مالِ).
قال ابن جني: "هذا المذهب المألوف في الترخيم إلا أنّ فيه في هذا الموضع سرّاً جديداً، وذلك أنَّهم لِعظم ما هم عليه ضَعُفت قواهم، وذلّت أنفسهم، وصَغُر كلامهم، فكان هذا موضع الاختصار ضرورة عليه، ووقوفاً دون تجـاوزه إلى ما يستعمله المالك لقوله، القـادر على التصرّف في منطقه" )[45]( .
وأقول: إنَّ تعليل ابن جني هذا لطيف مقبول، لو أنَّ أهل النار يقولون كلمة واحدة: (يا مَالِ)، ولكنهم يقولون جملة كاملة: (ليقضِ علينا ربُّك)، فكيف ضعفوا عن كلمة، ولم يضعفوا عن جملة؟! ولماذا يضعفون عن إتمام اسم (مالك)، ولا يضعفون في قولهم( ليقض) أو (علينا) أو (ربّك) ؟!
ثم إنَّ الترخيم لم يرد عن العرب إلا في حال السَّعة، ومواطن اللين والمداعبة، والغزل والصّبابة، وذا ما جعل ابن عباس يتعجّب لمّا سمع قراءة مَنْ قرأ: "ونادوا يا مالِ" بقوله: "ما كان أشغل أهل النار عن الترخيم"! )[46](
ولعلَّ ابن عباس قد نظر إلى معنى الترخيم اللغوي الذي يعني الحذف والتليين، والرقة والحلاوة، بينما نظر ابن جني إلى معنى الترخيم الاصطلاحي الذي يعني: "حذف أواخر الأسماء المفردة الأعلام تخفيفاً ".
ثانياً: الرغبة في الإيجاز والاختصار، وقد روي عن بعضهم قوله: "البلاغة هي الإيجاز".
ثالثا: القصد إلى سرعة الفراغ من الكلمة للإفضاء إلى المقصود، وفي هذا تأكيد على ضرورة إيصال المعنى بأقل عدد من الحروف.
رابعاً: تنويع الكلام وتحليته، وتحسينه وتلوينه.
ذلك لأنَّ العربي البليغ يحرص على اللفظ اللائق الذي يؤدي إلى المعنى الرائق.
خامساً: الإيناس بالتغيير، فالمنادى يتغيّر بالنداء، والترخيم تغيير، والتغيير يؤنس بالتغيير.([47] )