You are here

قراءة كتاب انقلاب عسكري في اسرائيل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
انقلاب عسكري في اسرائيل

انقلاب عسكري في اسرائيل

كتاب " انقلاب عسكري في اسرائيل  " ، تأليف تسفيكة عميت ، والذي صدر عن

تقييمك:
3
Average: 3 (2 votes)
المؤلف:
دار النشر: دار الجليل
الصفحة رقم: 8

قالت (سريت) من مكانها الدائم أمام المدخل لمكتب رئيس الحكومة:" أدخل، فهم جميعا في الداخل" فابتسم"عشهال" لها بتودد فقد كان يدرك أن من الأفضل دائما الحفاظ على علاقة طيبة معها، فبوصفها سكرتيرة شخصية لثلاثة رؤساء حكومات، فقد كانت شخصية رئيسة في مكتب رئيس الحكومة. قدم"عشهال" إلى المكتب في معنويات جيدة، ولم يكن هناك سبب يمكن أن ينغص عليه أو يجعله تعيسا، فمكانته كمساعد لرئيس الحكومة هي مكانة ذات قوة كبيرة، فالمكان الذي يعمل فيه هو المكان الذي تصنع فيه الأشياء وتتخذ القرارات الهامة. وكان "عشهال" يحب هذه الأجواء في المكتب، فقد شعر أنه شريك حقيقي في عملية اتخاذ القرارات. حقا لقد ازدادت الضغوط في الآونة الأخيرة بشأن دفع المسيرة السلمية إلى الأمام،وأيضا خطة الفصل التي لم يكن يحبها، لكنه كان يعتقد أن الأمور تسير في طريقها الصحيح.

فتح الباب، وقال:" صباح الخير لكم جميعا"، بيد أن رئيس الحكومة لم يرد عليه ابتسامته، بل رفع عينيه إليه، وقال باختصار:" إجلس عشهال، إجلس". جلس مساعدا رئيس الحكومة الآخران على مقاعد بالقرب من الطاولة الخشبية البنية اللون، استرق" عشهال" نظرة سريعة نحو رئيس الحكومة وقال في نفسه:" الأسد الهرم" مثلما يلقبه الكثير من مقربيه، لقد كان شديد الإرهاق، وكان الإرهاق يبدو على حركاته وفي نظرات عينيه المنطفأة لقد تركت سنوات النضال المتواصلة الأخيرة أثارها عميقا عليه، وكذلك المرحلة الأخيرة التي كثر خلالها أولئك الذين أكثروا من التشكيك في زعامته.

وفكر"عشهال" في نفسه: يجب إقناعه بأخذ إجازة.

تقع غرفة رئيس الحكومة في الطابق الأول من مبنى من الحجر المقدسي، ورغم أنها ليست كبيرة إلاّ أنها خدمت جميع رؤساء الحكومات الإسرائيليين منذ الستينات، بل أن الغرفة لم تتغير منذ الأيام الأولى التي جلس فيها رئيس الحكومة الأول لدولة إسرائيل ديفيد بن جوريون.

جلس رئيس الحكومة خلف طاولة ليست كبيرة من الخشب، وخلفه رفوف من الكتب، وأمامه جهاز تلفزيون صغير، وتطل نوافذ الغرفة الزجاجية المحصنة على "تلة المظاهرات" القريبة وعلى مبنى بنك إسرائيل.كانت هناك خارطة ذات إطار لدولة إسرائيل معلقة على لوح خشبي كبير، وكانت الأقاويل في مكتب رئيس الحكومة تقول أن هناك خلف اللوح الخشبي سريراٌ ميدانياٌ، كي يتمكن رئيس الحكومة من الاستراحة حين الحاجة، ولم يكن"عشهال" قد شاهد هذا السرير مفتوحا أبدا، فقد كان رئيس الحكومة يفضل الإغفاء في مقعده الخاص، أو في أحد مقاعد الضيوف القريبة من النافذة.

كان الأشخاص الثلاثة الجالسون أمام رئيس الحكومة مساعديه المقربين، وقد ولدت سنوات العمل المشترك ثقة متبادلة وتقارباٌ غير عادي وغير مألوف في علاقات العمل العادية.

لقد التقى رئيس الحكومة"بمائير عشهال" على إحدى التلال الصخرية التي اعتاد المستوطنون أن يتشاجروا بالقرب منها مع قوات الأمن جراء إعادة بنائهم لنقاط استيطانية قام الجيش بتفكيكها، كان ذلك خلال محاولة المستوطنين إقرار حقائق على أرض الواقع، وإرهاق قوات الأمن وجذب أنظار الجماهير.

كان "عشهال" هناك على تلك التلة، شابا شديد التحمس، يلبس نعلا توراتيا وطاقية مطرزة ملتصقة بشعره الأشعث، كان رئيس الحكومة آنذاك سياسيا من الصف الثاني، ويحاول تثبيت نفسه كزعيم يميني، الأمر الذي جعله يقف في الكثير من الحالات في نفس الخندق مع المستوطنين وزعمائهم، وقد أسر هذا الشاب المتحمس قلبه مما جعله يقربه إليه، ويعتبره رجل اتصالات سياسية.

بيد أن "عشهال" الآن ليس شابا، فقد شارف على السابعة والأربعين، وتزوج ولديه أربعة أولاد، بيد أن حماسه الأيديولوجي لم يهدأ وفي نفس الوقت بدا كشخص مفيد ولماح وشديد الإخلاص وهي الصفات التي كانت شديدة الأهمية "للزعيم الهرم".

جلس"دان رونان" إلى جوار"عشهال" وهو رجل عسكري سابق ومن مواليد تل أبيب، وقد التقى برئيس الحكومة حينما كان وزيرا لشؤون الاستيطان، وقد نال اعجاب رئيس الحكومة بكفاءته وجدواه وسريته، خصوصا في أعقاب المهام التي أسندها إليه خلال عمله السياسي الطويل والمتنوع، وقد وقف في ساعات الأزمة أيضا إلى جوار رئيس الحكومة مخلصا دون حدود.

أما الشخص الثالث الذي كان في الغرفة فهو يوسي فريدمان" وهو محام ٍ من تل أبيب، متخصص في القضاء التجاري مما حوله بمرور الايام إلى ممثل العديد من رجال الاعمال المعروفين وقد جنى مبالغ مالية كبيرة، وفي نفس الوقت كان كل من استأجر خدماته يدرك أن "فريدمان" لن يألو جهدا في إخراجه بريئا، وكان مثوله أمام القضاء بمثابة عمل محسوب ومخطط جيدا، كما كان يدير عمليات التحقيق مع الخصوم بإصرار لا يعرف الهوادة مما أدى في الكثير من الحالات إلى انهيار شهود نيابة مركزيين.

وقد قضى"فريدمان" العامين الماضيين في مكتب رئيس الحكومة وعندما استجاب لطلب رئيس الحكومة، قال لوسائل الاعلام أنه تطوع "لخدمة احتياط صهيونية" وكان يدرك بينه وبين نفسه أن قربه من رئيس الحكومة سيساعده في أعماله مستقبلا وقد عمل رئيسا لمكتب رئيس الحكومة ورسوله الخاص في المهام التي تتطلب الكثير من السرية والتفاوض.

كان هؤلاء الثلاثة هم مقربي رئيس الحكومة إضافة إلى أبناء عائلته، وقد قام معهم بالتخطيط لجميع خطواته السياسية الداخلية والخارجية، لقد شكل مكره وذكاؤه الحاد الممتزج بالحماس والحوافز والدقة والإصرار على تنفيذ الهدف من قبل الثلاثة المذكورين، قوة هائلة أدت في الكثير من الحالات إلى هزيمة العديد من الخصوم السياسيين الأقوياء.

استهل رئيس الحكومة الحديث بالقول:" لقد حاولت طيلة حياتي أن أفعل ما هو صواب لصالح دولة إسرائيل"، ولم يكن بالإمكان عدم ملاحظة التغيير المذهل الذي طرأ على رئيس الحكومة عندما بدأ الحديث فقد اختفى الإرهاق بصورة فجائية وكأنه لم يكن، واصبح بالإمكان رؤية صورة الرجل الحازم الذي قاد عشرات الآلاف وراءه من جديد.

واضاف رئيس الحكومة:" كنت دائما رأس حربة في الأماكن التي لم يجرؤ أي شخص على التواجد فيها، شاركت في المعارك الانتقامية، وخضت جميع حروب إسرائيل، وسأكون هناك أيضا الآن، في هذه المعركة والتي قد تكون أهمها جميعا.

لم يكن ما قاله رئيس الحكومة طبيعيا بالنسبة لأسلوبه، فقد كان يمتنع غالبا عن الأساليب الخطابية، ويفضل أن تكون أقواله قصيرة وموضوعية، وأحيانا ما تكون ساخرة، لكنها دائما دون نصائح وعبارات لا ضرورة لها، وقد حملق فيه الثلاثة بصمت ليروا إلى أين يريد أن يقود الأمور.

ابتسم رئيس الحكومة، وقال:" سأبدا من النهاية، أنا أرى أنكم لا تستطيعون الصمود أمام هذا التوتر، إننا على وشك الشروع بمفاوضات شاملة وجدية مع الرئيس الفلسطيني.

حملق الثلاثة فيه بنظرة استغراب، فمنذ وفاة الرئيس الفلسطيني عرفات، جرت بين الفينة والأخرى لقاءات مع الرئيس الفلسطيني الجديد، لذا، ليس من الواضح لماذا اتخذ رئيس الحكومة هذا المنحى الدرامي.

كان"رونان" أول من خمن، وسأل بحذر: ما الذي تعتزم التفاوض معه حوله؟ فرد عليه رئيس الحكومة قائلا:"حول إقامة دولة فلسطينية.. حول ماذا فكرت؟ عن أي شيء آخر يمكنني التحدث معه؟

نظر إليه المساعدون الثلاثة بذهول، في حين واصل هو حديثه قائلا"لرونان":" أرى أن لديك شيئا ما تود قوله لي، قل لي الحقيقة، قل لي ما تفكر فيه".

بدا"رونان" ساهما بعض الشيء، ومن الجدير بالذكر أنه لم يكن محسوبا على الجهاز السياسي المحيط برئيس الحكومة لقد كان إخلاصه ينصب شخصيا على الرجل الذي رافقه سنوات طويلة، وقد بدا مترددا للحظة، ثم قال:" سأقول لك الحقيقة، يبدو لي أنك خرجت عن صوابك، وأنت في حاجة إلى إدخالك المستشفى بصورة عاجلة" لم يكن أحد باستثناء "رونان" قادرا على أن يقول مثل هذا الكلام لرئيس الحكومة، كما أن الزعيم الكهل لم يكن على استعداد لسماع مثل هذه الاقوال من أي شخص باستثناء"رونان" فقد كان يدرك أن هذا الرجل بعيد عن أية نوايا خبيثة، وإخلاصه له لا تشوبه شائبة.

-رئيس الحكومة: لماذا تفكر على هذا النحو؟

-رونان: أولا أنا أفكر فيك، أما بالنسبة لي لست أجد غضاضة في أن أجري أية مفاوضات مع الرئيس الفلسطيني حول الدولة الفلسطينية، لكن أنت؟؟ وبينما العمليات الفلسطينية ضدنا متواصلة؟ وما الذي سيقوله زملاؤك؟؟ هل ترى أية إمكانية لاقامة دولة فلسطينية بدون إخلاء قسم كبير من المستوطنات؟ إذا لم يكن كلها؟؟

غرس رئيس الحكومة عينيه في عيني محادثه وقال:" لا، لست أرى أية إمكانية كهذه".

Pages