كتاب " انقلاب عسكري في اسرائيل " ، تأليف تسفيكة عميت ، والذي صدر عن
You are here
قراءة كتاب انقلاب عسكري في اسرائيل
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
انفجر"عشهال" الذي جلس طيلة ذلك الحوار متوترا كقوس، قائلا:" هل تتحدث عن إخلاء في الضفة الغربية؟ أنت؟؟ أنت الذي كنت أبانا؟؟
كان "عشهال" أكثر حيوية من "رونان" متوسط القامة، ويعتمر طاقية مطرزة، ويرتدي صندلا، ودائم اليقظة، وقد بدا في تلك اللحظة مذهولا حتى النخاع، لقد كان أحد كبار حركة الاستيطان، وقد تمخض تعاونه السابق مع رئيس الحكومة في الوظائف العديدة عن إقامة عدد من المستوطنات التي تزين خارطة الاستيطان، إن أسوأ الكوابيس التي كان يمكنه أن يتخيلها، انطلقت في وجهه الآن بهذه الصورة الفجائية، ومن الرجل الذي يكن له كل هذا التقدير.
وجه رئيس الحكومة نظراته نحوه، وقال:" حقا أنا كنت ابا الاستيطان، وبذلت كل ما بوسعي لاحباط إمكانية إقامة دولة أخرى بين البحر والنهر".
أدرك "عشهال" بالضبط ما الذي يتحدث عنه رئيس الحكومة لقد كان هو نفسه شريكا في مخططات بعيدة المدى، كانت قلة قليلة فقط تدرك مغزاها، فلم يكن احد يعرف لماذا أقميت مستوطنة على هذه التلة أو تلك أو على هذا المنحدر أو ذاك. لكنه كان من بين القلة التي تدرك أن هذا البناء يأتي في إطار خطة مفصلة ترمي لاضعاف وتفريق سيطرة الفلسطينيين على الضفة الغربية.
كان القصد هو إقامة مناطق يهودية حاجزة، لقطع التواصل الجغرافي الفلسطيني، والحيلولة بذلك دون إقامة الدولة الفلسطينية.
أضاف رئيس الحكومة:" أخطأت، لقد كانت تلك رواية مشرقة في تاريخ الصهيونية لكننا لم ننجح في إبعاد الفلسطينيين من هنا، بل الأمر على عكس ذلك، لقد عاش في المناطق المحتلة في أعقاب حرب 1967 أقل من مليون فلسطيني، وهاهو تعدادهم اليوم يربو على ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة، وبالإمكان أن تدرك ببساطة متى سيصبحون أغلبية، وحينها ستأتي نهاية الدولة اليهودية أو الدولة الديموقراطية.
نظر إليه مساعدوه بصمت، لقد كانوا جميعا على علم بهذا السلاح المثير للمشاكل، والمسمى السلاح الديموغرافي.
رشف رئيس الحكومة رشفة من كأس الماء الموضوع أمامه، وقال:" أنتم جميعا تعلمون أنني حاولت أن يصبح الأردن الدولة الفلسطينية، بيد أن هذه المحاولة أيضا باءت بالفشل".
صمت رئيس الحكومة، وبدا أنه غارق في أفكاره، ثم أضاف.."ما الذي يجب أن نفعله؟؟ بالإمكان أن نتجاهل الواقع، ونواصل ضرب رؤوسنا بالجدار، لكن ما الجدوى؟؟ لقد عرفت طيلة حياتي أن أعمل في المكان الممكن وكيفما يجب، وإذا كانت الطريق التي سرنا فيها لم تفض إلى النجاح، فينبغي علينا أن نغير اتجاهنا.
-فريدمان:"من قال أننا لم ننجح، لقد نجحنا في تحطيم صورتهم".
-رئيس الحكومة:" في هذه الغرفة لا يمكن إلاّ أن نقول الحقيقة، لقد سقط في هذه الانتفاضة آلاف الأشخاص لنا ولهم، لقد أطلقنا يد الجيش الإسرائيلي بحرية واتحنا له الفرصة للانتصار، ولم ينتصر، ويبدو أن من المستحيل الانتصار على شعب يناضل من أجل حريته، ولسنا أول من اكتشف هذا في التاريخ".
أخذ الثلاثة يحملقون في رئيس الحكومة واحدا إثر الآخر، والذهول باد على وجوههم ثم وضع رئيس الحكومة رأسه بين يديه ثم رفعها ببطء وهو يشعر بكل كلمة يقولها:" وقال صحيح، هذا أنا الذي يقول ذلك، أنا الذي أقمت المستوطنات، وأنا الذي ثبت مقولة أننا لن نتفاوض طالما تواصل الإرهاب.
ووجه نظراته إلى "عشهال" وأضاف:" ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لك؟؟ هل تعتقد أنت أيضا أنني خرجت عن جادة الصواب؟؟ وأنا أقول لك: أن العكس هو الصحيح، أنا أدرك الآن استحالة التمسك بهذه الأفكار، لقد أصبحت طاعنا في السن بصورة لا تمكنني من مواصلة التظاهر بالتمسك بهذه الأفكار، الزمن لا يعمل لصالحنا، والدولة ممزقة من الداخل، والاقتصاد منهار، وقد أصبحنا دولة مجنونة في نظر غالبية دول العالم، بل إن الأميركيين أنفسهم بدأوا يملون ذلك، وقد بدأوا يتساءلون أكثر فأكثر: لماذا نرغب في إبقاء هذه المشكلة؟؟ وإذا لم يكن الأميركيون إلى جوارنا، وفي الوقت الذي يقف العالم بأسره ضدنا، كيف يمكننا المواصلة؟ من سيمنحنا الدعم؟ من سيحول دون فرض مجلس الأمن عقوبات علينا؟ هل هو الفيتو الذي تأخذه ميكرونوزيا؟؟ وارتفعت إلى شفاه رئيس الحكومة بسمة ساخرة.
هم "فريدمان" الذي حافظ حتى هذه اللحظة على رباطة جأشه، أن يعقب، بيد أنه سمع طرقة على باب الغرفة، ودخلت سريت وقدمت ورقة إلى رئيس الحكومة، فنظر فيها، ثم كتب شيئا ما، وأعادها إليها.
انتظر "فريدمان" حتى خرجت سريت، ثم سأل بهدوء:" إن ما يهمني هو كيف يمكنك أن تمرر هذا سياسيا وما الذي سيفعله زملاؤك وزملاؤه، وأشار نحو "عشهال" وأضاف:" هل تعتقد أنهم سيمرون على ذلك مرور الكرام؟؟ أنت تدرك ماهية القوى التي ستقف في وجهك؟؟
فقد رئيس الحكومة رباطة جأشه وضرب بيده على الطاولة وقال:" سنتغلب على ذلك لا يوجد أي طريق آخر، الجميع أذكياء، الجميع، لكن من يقول لي كيف يمكن الخروج من هذا؟؟ وكيف نؤمن مستقبل هذه الدولة؟؟ هذا هو الشيء الوحيد الذي يشغلنا الآن، هل بمقدورك "رونان" أن ترد على هذه الأسئلة؟؟ وأنت؟؟" وأشار إلى "عشهال"، ثم أشار إلى "فريدمان" وقال:" أو أنت سيدي المحامي؟؟" بيد أن الثلاثة صمتوا.