كتاب " الخراف الضالة " ، للمؤلف أحمد جمعة ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب
You are here
قراءة كتاب الخراف الضالة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
وتكرار هذه الكلمة يعني أن الصيد وافر، فبدأ بعضنا بخلع ثيابه فيما بقي بعضنا الآخر مستعداً بسرواله، واندفعنا نحو المياه من دون الشعور بلسعات البرد فقد ارتفعت حرارتنا لدى رؤية السمكة المترنحة التي سرعان ما هرولت نحوها ولكنها اختفت، وفي العادة تنزلق إلى أسفل المياه قبل أن تموت ثم تطفو بعد خروج روحها وهكذا بقية الأسماك قبل الموت وبعده، وفي غمرة اندفاعنا في البحر راحت نظراتنا الزائغة تبحث بوحشية الصيادين عن فريستنا من هذه الكائنات الصغيرة الرصاصية اللون في مختلف الاتجاهات، تعلو صرخاتنا هنا وهناك عبر أرجاء البحر من حولنا بحثاً عن مزيد من الأسماك الميتة، وعندما تبدأ سمكة تطفو نتسابق للوصول إليها. ومن يلتقطها تنفجر لديه مشاعر الفرح والزهو بالانتصار ولا تجد هذه الفرح عند الظهيرة حين نترك كميات تلك الكائنات على الساحل تسلقها أشعة الشمس وتعبث بها القطط والكلاب إلى أن تفوح رائحتها فتنفر منها تلك الحيوانات فتتحول مع الأيام إلى سخام كأنه رماد الخشب المحترق، أما السرطانات فنقوم بشوائها على كومة من ورق أكياس الإسمنت بعد أن نخرقها بحربة مسننة في سلسلة مترابطة من دون تنظيف أو تتبيل حيث تتصاعد الأدخنة السوداء الناتجة عن احتراق الأكياس الإسمنتية الملوثة بالتراب والغار، لم تمنعنا هذه الصورة من تناولها بشراهة حيث نقوم بتمزيقها وامتصاص عظامها وتظهر سوائلها عالقة بشفاهنا فتبدو لنا حينها هذه الوجبة وليمة فاخرة رغم احتباس الدخان في صدورنا فيتعالى سعالنا يغطي الساحل ليدرك من يمر هناك من رجال الحي بأننا نطهو السرطانات، ويصادف أن يتوقف بعض كبار السن ليوجهوا إلينا نصائح مصحوبة بشتم أهالينا الذين تركونا بلا مسؤولية على سواحل البحر معرضين صحتنا وحياتنا للخطر، كنت أنا مع عدد من أطفال الحي نرد عليهم ساخرين وننعتهم بالتخريف وبعضنا يقذفهم بحركات صوتية عبارة عن إطلاق ريح وغيرها من الأصوات المقيتة التي تجعل بعضهم يتوقفون ويتأملون وجوهنا ويرجعون هذا التصرف إلى آبائنا الذين لم يجيدوا تربيتنا ثم يمضون في طريقهم متحلين بالصبر ونمضي بدورنا في صراخنا نتجادل حول أتفه الأمور التي كانت بالنسبة إلينا قضايا مصيرية حتى إن آثارها تنعكس في أحلامنا بالليل حين نلقي بأجسادنا النحيفة تفوح منها روائح البحر والأسماك والأدخنة من غير استحمام فتعلق الرائحة بالمكان لأيام عديدة.
كان البحر والأسماك المسممة عالمنا الممتلئ بالسحر حين تتسلل بعض الفتيات في مثل أعمارنا للسباحة وهن يرتدين الفساتين القصيرة فما يكدن ينزلن الماء حتى ترتفع تلك الثياب إلى الأعلى وتنتفخ لتصل أطرافها إلى سطح البحر ويدفعنا الفضول في مستهل اللحظة تلك إلى الاقتراب منهن وعندما لا نجد صداً أو اعتراضاً نبدأ بالغوص أسفل الماء ونسبح حولهن لنتأمل تلك السيقان والأفخاذ الملونة، بيضاء وسمراء وسوداء، بعضها مكتنزة والبعض الآخر رقيقة وأخرى ملتوية ولكنها جميعها تجعلنا نحوم حولهن طوال الوقت من غير أن نلامسهن إلا إذا ابتعدت إحداهن عن السرب، وهذا لا يحدث إلا نادراً، فغالبيتهن يخشين الفضيحة فبعضنا لا يتردد في فضح الفتاة التي يلامسها أو يعبث بها من باب التفاخر والتباهي ولكن الأمر يتحول إلى حديث وشائعات يتناقلها سكان الحي وإذا ما وصل الأمر إلى الأهل فستسجن الفتاة بالدار وتُضرب ويحكم الحصار المنزلي الأشبه بالإقامة الإجبارية عليها وبعضهن يفلتن من العقاب بإلقاء اللائمة علينا نحن ومن يتورط منا مع هؤلاء الفتيات يتوارى فترة عن الأنظار حتى تهدأ الأمور.