كتاب " الخراف الضالة " ، للمؤلف أحمد جمعة ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب
You are here
قراءة كتاب الخراف الضالة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
- فقد ماذا؟ أعرف أنك جبان ولا تستطيع حتى سلق سمكة حولك، هل تظن أنني لم أراقبك وأنت تهرب من الأسماك المترنحة؟
باغتهُ بلكمة من قبضة يدي قبل أن ينهي كلامه، فسقط في الماء وتجاهلت رد فعله وأنا أغادر المكان لأسبح بعيداً باتجاه نقطة أعمق وقد رحت أتطلع نحو فتاتي التي بدت مصدومة من الموقف بعدما تجمهرت بقية الزمرة حوله بين مندهش ومستنكر وربما في هذه اللحظة يحتدم الجدل بينهم كعادتهم كلما وقع حدث إذ يسردون القصص التي تعكس تشوش العلاقة فيما بينهم، كنا دائمي الجدل أيام جمع الأسماك المسممة ونادراً ما نخرج من الماء دون معركة أو شجار بيننا أو مع الصبية الآخرين المتطفلين علينا، لكني في هذا اليوم بالذات لم أعر البقية انتباهاً حيث كاد يغمى عليّ وأنا أسفل الماء في غمرة انبهاري بتضاريس الجسد النحيف المكتنز الأطراف الذي رحت أختزن تفاصيله في ذاكرتي لأستعيد تصوير المشهد في خيالي قبل النوم لأنهي ما بدأته في الواقع بحلم أستدرجه كعادتي حينما أعصر الخيال وأدمجه بالوهم ليتحول إلى حلم كامل التفاصيل كما تصورته. ولخشيتي من فقدان هذه القدرة السحرية على الحلم بما أريد أن أحلم به قبل النوم، لم أطلع أيّاً من أفراد أسرتي أو أصحابي على هذه الميزة الحسية، لا أصدق نفسي بامتلاك هذه المعجزة التي أستمدها من صلاتي السرية التي لا أتلو فيها أيّاً من شعائر الصلاة المعتادة التي لم أحفظ ولم يلقنني أحد قواعد أدائها فقد كنت أغلق الباب خلفي أثناء نوم الجميع وأتلو الصلاة التي أدعو فيها الله أن يلبي أحلامي التي كانت بحجم أفكاري ورغباتي وأنا في سن الثالثة عشرة.
في هذا اليوم الذي حشرت فيه يدي أسفل فاطمة تحت الماء لم يطرف لي جفن أثناء الليل إذ ظللت في الفراش أتطلع إلى سقف الغرفة بينما غطت والدتي بنوم عميق حتى إنني لم أسمع ليلتها شخيرها الذي طالما دفعني إلى الجنون قبل النوم فأهرب إلى فناء الدار لأنام مع شقيقي الأكبر الذي اعتاد خلال فصل الصيف النوم بالفناء على سرير خشبي فيما كنت أنا أفترش الأرض فوق سجادة قديمة أغطيها بملاءة وأترك رذاذ الرطوبة ينهمر عليّ من دون إحساس بالتعب أو الخمول. كنت هذه الليلة مشوشاً بين النوم بالداخل وتحمُّل صوت شخير الوالدة وبين النوم بالخارج مما يحرمني من الحلم ومداعبة عضوي الصغير الذي كنت دائم التحسس له للتأكد من أنه يكبر كل يوم، كان يشغلني حجمه منذ بدأت أعي اللذة التي تفجرت منذ ملامستي له طوال الوقت حتى بلغت الذروة وأنا أداعبه مستخدماً الزيت. من يومها عرفت الاستمناء الذي استمر معي حتى الزواج والإنجاب وإلى اللحظة التي صنعت فيها الملايين واستحوذت على كل أنواع النساء من صديقات وعشيقات وعاهرات، كانت تلك العادة ترافقني متحدة بالخيال الجامح الذي تثيره فيّ النساء من مختلف الجنسيات وعلى الرغم من السنين التي انقضت على حادثة البحر مع فاطمة إلا أن تلك الومضة لا تزال تسطع كشهاب جانح بذاكرتي. كلما مر بي شريط أحداث تلك المرحلة من حياتي، التي كنت مأخوذاً بنزق الطفولة والمراهقة وأحداثها المتهورة حيث كانت الحدود مفتوحة على العوالم المجنونة والصخب الذي لم يجعلنا نفرق بين الجسارة والخطر. كنت أتصرف بوحي من غرائزي التي كادت تقودني مرات عديدة إلى حتفي ولكنها سَرعت من نضج الرجولة، لم أكن يومها شديد الارتياب واكتفى عقلي الباطن بتحريك شغفي بأجساد الفتيات اللواتي يصادف أن يغطسن في البحر وترتفع ملابسهن إلى الأعلى فتبدو تلك الأجساد الصغيرة النحيفة طرية كزغب مياه البحر الصافي تترقرق موجاته على السطح فتبعث فينا شغفاً مشوباً باللذة من غير أن ندرك حينها أنه الوله بالدنيا البسيطة التي تشبه هذا البحر العفوي الذي لا يمر يوم من دون أن نخوض لجته أو تبهرنا موجاته عند المد فتعلق نسماته الباردة بأجسادنا ويتفاعل هذا الوميض مع تعب النهار ليظهر خلال النوم بالليل على هيئة أحلام جوهرها البحر والأسماك الميتة وفتيات الحي. كانت أحلامي حيناً شفافة رقيقة كنسيم البحر بصباح يوم جمعة يحتوينا حضنه بطعم الملح، وحيناً آخر كوابيس تجرفنا مع الأعشاب والطحالب الخضراء القاتمة، وكثيراً ما كان البحر يبتلعني لأجد جسدي ينزلق إلى القاع فتغمرني طبقات الطين الأسود ولا ينتزعني من هذا الكابوس سوى الفزع الذي يوقظني من نومي مبللاً بالعرق في الصيف أو تمدد شعرات جسدي من البرد بالشتاء فأبحث حولي للتأكد من أنني خارج البحر.
ما زالت أسماك ذاك النهار البارد مع هبوب رياح الخريف تفوح رائحتها وتتغلغل بأنفاسي لولا طيف جسد فاطمة عليّ يهيم بي وينفذ بأعماقي كأنه قضيب ساخن ينزلق على قلبي ويسرع بدقاته المتلاحقة حتى أكاد أختنق كما لو كنت بأسفل الماء حتى هذه اللحظة.
بعد أيام من ذاك الصباح التقيتها صدفة في غرفة عين الماء العذبة على الساحل المطل على البحر التي كنا نغتسل فيها بعد خروجنا من البحر. كانت عين الماء ذات قسمين واحد للرجال والآخر للنساء ويحدث أن نتسلل إلى جهة النساء أو نسقط على الأرض بأجسادنا ثم نتلصص من فتحة صغيرة بالأسفل تطل على القسم الآخر ولكثرة الشجارات التي حدثت بسبب هذا السلوك من جانبنا راحت الفتيات والنساء يحشرن قطعة ملابس أثناء الاغتسال بتلك الثغرة فنقوم بدورنا بنزعها لتنطلق الشتائم من الطرف الآخر. في ذاك المساء وقبل أذان المساء التقيتها عند واجهة عين الماء وكانت برفقة شقيقتها الكبرى فأخذت باللف والدوران حول المكان طوال الوقت، فيما كانت تتسلل من وقت لآخر ونتبادل النظرات والابتسامات الخجولة من جانبها، فأخذت ببعث إشارات من يدي بقصد أن تأتي وحدها إلى المكان، وفيما هي منغمسة في تتبع حركات يدي إذ بصوت شقيقتها يصدح من الجانب الآخر:
- فطوم.. وجع في رأسك.
- ماذا فعلت؟
- تعالي اغسلي أسفل جحرك، لقد مرّ يومان على انتهاء الدورة الشهرية ولم تنظفي، تعالي يا وسخة.
قبل أن أنهي ضحكتي هربت من أمامي لأسمع صوتها الخجل يرد على شقيقتها:
- الله يلعنك يا فضيحة، أنا أنظف منكِ ومن كل الذين أنجبوكِ لو تعلمين.
- جحرك.