كتاب " الخراف الضالة " ، للمؤلف أحمد جمعة ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب
You are here
قراءة كتاب الخراف الضالة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
كانت تلك الكلمة كافية لإثارة غرائزي وفي الوقت ذاته بعثت فيّ موجة من الضحك المكتوم وأنا أتخيل وجه فاطمة التي سحرتني وقد تضرج وجهها بحمرة الخجل لعلمها بأنني أستمع إلى صوت شقيقتها، وعند هذا الحد حاولت التسلل بعيداً عن المكان لكي لا أسبب لها المزيد من الإحراج، وما كدت أبتعد عن المكان حتى فوجئت بأحد الجيران وقد تدحرج بفضوله المسكون بهاجس التجسس على سكان الحي برمته يستوقفني ويبادرني بالسؤال:
- سنذهب إلى السينما، تعال معنا ومعك خمس روبيات للعشاء والسجائر.
- لا أملك المبلغ.
تعمدت التعلل بالإفلاس لأظل أحوم بالحي منتظراً فرصة التحدث مع فاطمة علي التي شعرت بأن هذا النهار منذ بدايته في البحر وهذا المساء بسكونه، منحني كل ما أريد بعد طول انتظار وسيكون يوم سعدي لو رأيتها مرة أخرى وهذا ما زاد من شغفي بها وتضاعف فرحي خبر نية زمرة الأصدقاء الانسحاب من الحي إلى السينما مما سيترك المحيط هادئاً عن مشاغباتهم التي ستهيئ مناخ ملاحقتها لأستكمل وله النهار بها إثر مشاكسات البحر. عندما كتب لي لقاؤها مرة أخرى قبل مغيب الشمس بمحاذاة خباز الحي الواقع على طريق مرتفع ضيق، فوجئت بها وقد غيرت تسريحتها عن فترة الصباح والظهيرة، كانت تسير وحدها بخطوات بطيئة ناعسة، هكذا بدت لي حينما التفتت خلفها بعينين واسعتين سوداوين، لتفاجأ بي أتبعها فأسرعت الخطى بفستانها الحريري الأصفر وقد ضاق على جسدها النحيف وأظهر تضاريس ردفيها الممشوقين، وكانت تنتعل حذاءً أسود خفيفاً ساعد على رشاقة سيرها على الأرض الترابية رغم ما بدا عليها من توتر اجتاحها لحظة مروري حولها متجاوزاً إياها لألتفت نحوها مبتسماً محاولاً اكتشاف رد فعلها بعدما فعلتهُ بها ظهيرة اليوم في الماء.
- ألا تخاف؟
لم أدرك ما عنته، فخففت من خطواتي متحيناً خلو الطريق من المارة لأسألها بصوت مرتجف يكتنفه قلق عرّى شغفي بها وكشف عن تعلقي بها.
- أموووت بكِ فطوم..
- استح.
- سمرتكِ تقتلني..
انطلقت منها ضحكة رشيقة كمشيتها وفاح منها عطر نفاذ عرفت من لحظتها أنه العطر ذاته الذي تضعه والدتي فأدركت أنه يخص والدتها، لم أكن أطيق هذه الرائحة التي اعتدت أن أتنفسها كل ظهيرة جمعة بعد الصلاة حين ترشها أمي عليها قبل جولتها على منازل شقيقاتها، عرفت أول كذبة لي معها حين جاملتها بقولي:
- رائحتك جميلة فطّوم..
- أعجبتني عندما لكمت صديقك في البحر..
- لم يكن صديقي..
فجأة ظهر عمها أمامي كهرم من الخوف يمشي وقد كادت تنفطر الأرض وتبتلعني، فيما كادت هي تسقط وتتعثر قبل أن يبادرها بالكلام:
- فطّوم..