كتاب " النقد الثقافي من النسق الثقافي الى الرؤيا الثقافية " ، تأليف عبد الرزاق المصباحي ، والذي صدر عن مؤسسة الرحاب الحديثة للنشر والتوزيع .
You are here
قراءة كتاب النقد الثقافي من النسق الثقافي الى الرؤيا الثقافية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

النقد الثقافي من النسق الثقافي الى الرؤيا الثقافية
1-3 النقلة المفهومية أو تغوُّل النسق الثقافي
يعلن الغذامي بأن أول خطوة ينبغي الانطلاق منها هي تحقيق نقلة اصطلاحية تــُخرج مفاهيم (النسق، المجاز، الأدبية، الجملة، والتورية...) من سلطة المؤسسة النقدية الأدبية التي تقدم تصوراً واحداً أساسه البحث في جمالية الجميل، وتُعمل على التمييز بين أدب راق وآخر مبتذل كما هو شأن تعامل النقاد القدامى مع "ألف ليلة و ليلة" التي اعتبروها مما لا يليق إلّا بالنساء والأطفال وضعاف النفوس. فهذه الأحكام، حسب الغذامي، عطلت من قدرة النقد على تحليل خطابات غير معترف بأدبيتها، والسبب في هذا التعطيل هو ما يسميه الغذامي "عقدة المصطلح" الذي يتلبس دائما بلبوس المؤسسة الرسمية ويتقيد بحدها، ولتجاوز هذه العقدة الاصطلاحية يقترح العمليات الإجرائية التالية:
• نقلة في المصطلح النقدي ذاته.
• نقلة في المفهوم.
• نقلة في الوظيفة.
• نقلة في التطبيق.
إن الغذامي يعترف بصعوبة إخضاع مصطلحات تلبست منذ قرون تصور المؤسسة النقدية لمفاهيم جديدة، خاصة إذا كان الوعي الجمعي قد كرسها؛ بالقياس إلى عمل فردي لباحث مجتهد تصعب عليه الإحاطة بالمنجز النقدي في تاريخه الطويل أو الإطاحة به، لذا يؤسس عمله النقدي على الاستناد إلى هذا المنجز بتحوير يجعل من النقد أداة في نقد الثقافي لا الجمالي. وتشمل النقلة الاصطلاحية أساسيات ستة:
• عناصر الرسالة (الوظيفة النسقية).
• المجاز (المجاز الكلي)
• التورية (التورية الثقافية).
• نوع الدلالة
• الجملة النوعية.
• المؤلف المزدوج.
وهي الأساسيات التي سنقدمها بشكل موجز قبل مناقشتها والوقوف على بعض مثالبها، والتي انزلقت إلى استعادة النسق الثقافي وجعله متغولاً بدل الاشتغال على تكسير سطوته.
أ) النسق والوظيفة النــسقية
لقد اتخذ الغذامي من منجز رومان ياكبسون في التواصل أساساً لكي يقدم عنصراً سابعاً لعناصر التواصل الستة المعروفة. وإذا كان ياكبسون في نموذجه التواصلي يؤصل مفهوم الأدبية مجسدة في الوظيفة الشعرية التي تركز على عنصر الرسالة نفسها؛ فإن الغذامي يقترح إضافة عنصر سابع هو النسق وتنتج عنه الوظيفة النسقية، منطلقاً في ذلك من إيمانه بأن النقلة المصطلحية ينبغي أن تتحقق من دون اللجوء إلى تجاهل النموذج المتحقق. وتصبح هكذا عناصر التواصل ووظائفه كالآتي:
• ذاتية/ وجدانية: حينما يركز الخطاب على المرسل
• إخبارية / نفعية: حينما يركز الخطاب على المرسل إليه.
• مرجعية: التركيز على السياق.
• معجمية: التركيز على الشفرة.
• تنبيهية: التركيز علىأداة الاتصال.
• شعرية: التركيز على الرسالة نفسها.
• الوظيفة النسقية: التركيز على عنصر النسق كما هو مقترح الغذامي لهذا المفهوم؛ لأن التسليم بوجود العنصر النسقي والوظيفة النسقية "سيجعلنا في وضع نستطيع معه أن نوجه نظرنا نحو الأبعاد التي تتحكم بنا وبخطاباتنا" (20) .
يتحدد النسق هنا بوصفه نسقا ثقافيا لا أدبيا، فهو عند الغذامي ليس ما كان على نظام واحد وليس مرادفاً لمفهوم البنية؛ بل إن النسق الثقافي باعتباره مفهوما مركزيا في مشروعه النقدي يكتسب قيما دلالية وسمات اصطلاحية يحدها على هذا النحو:
1. إن النسق الثقافي يتحدد عبر وظيفته وليس عبر وجوده المجرد، وللوظيفة النسقية أربعة شروط هي:
• أنها تفترض وجود نسقين متعارضين أحدهما ظاهر والآخر خفي في نص واحد.
• يكون المضمر في النص نقيضا وناسخا للعلني، فإن لم يكن هناك نسق مضمر من تحت العلني فحينئذ لا يدخل النص في مجال النقد الثقافي.
• لا بد أن يكون النص جميلا ويستهلك بوصفه جميلا (الجمالية هنا من منظور ما يسميه الرعية الثقافية لا المؤسسة النقدية ).
• لا بد أن يكون النص جماهيريا ويحظى بمقروئية عريضة.
2. من خصائص النسق الثقافي أنه يقرأ النص إجرائيا بطريقة خاصة باعتبارها "حالاً ثقافية"، لا نصا أدبياً جمالياً (مع الانتباه إلى خطورة الدلالة الجمالية وقدرتها على إخفاء العيوب).
3. النسق باعتباره دلالة مضمرة تؤلفه الثقافة؛ التي تستهلكها جماهير اللغة من كتاب وقراء يتساوى فيها الصغير والكبير، النساء مع الرجال، والمهمش مع المسوّد.
4. النسق ذو طبيعة سردية يتحرك في حبكة متقنة، لذلك هو قادر على الاختفاء دائما.
5. النسق يجسد جبروتا رمزيا ذا طبيعة مجازية كلية (جماعية وليست فردية شأن المجاز البلاغي).
6. الأنساق الثقافية تاريخية أزلية ولها الغلبة دائما، وتحركنا على نحو لا شعوري نحو تبنيها والتلذذ بجمالياتها دون فحص أو نقد (21) .

