You are here

قراءة كتاب سيرة طائر الليل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سيرة طائر الليل

سيرة طائر الليل

كتاب " سيرة طائر الليل " ، تأليف بشير مفتي ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، نقرأ من مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 6

وقد أعاد ملحق ثقافي في الجزائر نشر بعض المقالات أو الدراسات لكتّاب وأساتذة جامعات جزائريين عن أدب القذافي وقصصه. يكتشف القارئ مدى ما بلغه الاستخفاف حقًّا بالعقول والمواقف، وتكفي قراءة العناوين حتى يصاب المرء بالخيبة. فهذا يبحث عن بيئة حقوق الأرض في قصص القذافي؛ لأنه- بحسبه- تجاوز المفهوم الكلاسيكي لحقوق الإنسان التي يُرعب بها الغرب الشرق، وطرح قضية حقوق الأرض. المضحك ربما هو ما تتعرض له الأرض الليبية الآن من حرق وتدمير وسلب، أما حقوق الإنسان فنعرف طبعًا كم يوليها هذا الزعيم أهمية كبيرة، ليس في خطابه ولكن في تصرفاته مع البشر الذين يراهم كالقمل والجرذان.

ينظر روائي جزائري في مدخله النقدي لتلك القصص للعلاقة الملتبسة بين القراءة والكتابة، فتشعر كما لو أنه سيباشر قراءة نقدية لواحد من النصوص الخطيرة في أدب القرن العشرين!

لقد هوّن الكثير من هذه المزالق بوصفها هنات يقع فيها الكاتب العربـي الذي استسلم لقدر الاستبداد، وتقبّله كحتمية لا مفر منها، ولا مجال لمحاربتها ما دامت تملك البطش والمال، ومن الأفضل الإفادة المادية بدل الحروب الاقتتالية مع جبهة لا ترحم ولا تشفق على أحد. غير أن هذا التهوين في حقيقته المخيفة يكشف عن بؤس من نوع آخر، وعن وضع ثقافي عربـي مزر للغاية، ولا يمكن من خلاله التأسيس لأي نظام ثقافي عربـي نقدي جديد، ينبني على أسس واضحة، ومعالم صارمة، وقيم نقدية بناءة.

ومنذ فترة غير طويلة، انجلت أوهام كثيرة عن كون الصفوة المثقفة هي الطريق الوحيد لقيادة التغيير، أو هي رمز كل تحول نحو عالم أفضل. انتهى المثقف بالصورة الرسولية، كما أخبرنا علي حرب في "أوهام النخبة"، التي كان يتصوره البعض عليها، وصار له ما له، وعليه ما عليه، ولم يعد أحد يحمّله ما لا يحتمل، فهو مثل غيره، له نقائصه ونقاط قوته. هو رمز عندما يختار أن يكون كذلك، فيتحمل مسؤولية تلك الرمزية التي يمنحها لنفسه، أو تُمنَح له عندما يقوم بدوره ولا يتواطأ مع الظلم والطغيان. وهو غير ذلك، عندما يصمت أو يغمض عينيه، أو يتلاشى في دوّامة الحياة العادية مثل غيره من الناس.

لا أحد صار يتوهم الآن أن المثقف هو صاحب الحقيقة أو حارسها الوحيد، أو هو من يملكها وحده، والقادر بثقافته وعدّته أن يكون القائد الطليعي للشعوب. ومع ذلك يجب القول أو التأكيد أن ما حدث في كل من تونس ومصر كان أيضًا من طرف مثقفين شباب ولدوا في بيئة مختلفة عن بيئة من سبقهم. بيئة سمتها العولمة والقرية الكونية. حتى لو عاشوا واقعيًّا تحت سطوة تلك الأنظمة المستبدة، فقد مكّنتهم أدوات العصر من أن يعيشوا كذلك في واقع مواز لذاك الواقع، يسمح بالحريات والحوار المتعدد، والتواصل عبر الإنترنت مع مختلف القارات، وظلت الحرية كمطمح ومتنفس، موجودة في حياتهم اليومية.

كان المثقف العربـي التقليدي- إن صحت التسمية- يضطر في غالب الأوقات إلى قول الحقيقة بكل حرية عندما يهجر بلده، أو ينفي نفسه في بلدان غربية، حتى يتواصل بشكل سليم وحر مع غيره في مختلف أنحاء العالم؛ لأن وسائل التواصل من إعلام مكتوب ومرئي كان يمنع عنه قولها في بيئته الأصلية، عكس ما سمحت به التكنولوجيا الحديثة للمثقفين الشباب بأن يكونوا أحرارًا في عالم افتراضي، صار واقعهم الحقيقي، وهو الذي مكّنهم في النهاية من نقل الحلم إلى الحقيقة، ومن شاشة الكومبيوتر إلى ساحة بورقيبة وميدان التحرير.

نحن الآن نشهد ولادة جديدة لمثقف جديد، مختلف كل الاختلاف عن سابقه. مثقف يقوم بدوره الطليعي بالارتباط مع شعبه، وهو نقي لأنه جديد، وهو حرّ لأنه شاب، وهو حالم لكنه واقعي، وهو مؤمن بأن أمامه مستقبلاً يجب أن يطمح إليه. على هؤلاء يعوّل التغيير الجدير بالاسم والذكر، التغيير الذي يعيد بناء منظومة القيم من جديد؛ فالثقافة لا يمكنها أن تبقى شعارًا نرفعه في السماء، وسلوكًا يتنافى مع ما نقوله. الثقافة- شأنها شأن الحرية- سلوك نختبر فيه ذواتنا يوميًّا، وحرية تجعل من الإنسان كائنًا يرفض التنازلات، ويحمي نفسه بالخيارات الصعبة التي تمنحه القدرة على الذهاب في حلمه إلى أبعد مدى ممكن.

عن ملحق النهار الثقافي 19/6/2011م

Pages