You are here

قراءة كتاب سيرة طائر الليل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سيرة طائر الليل

سيرة طائر الليل

كتاب " سيرة طائر الليل " ، تأليف بشير مفتي ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، نقرأ من مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 9

أسئلة ليبيا

عندما شاهدت من خلال بعض القنوات العربية والأجنبية ما سمّي بسقوط طرابلس في يد الثوار الليبيين وتحريرها من الطاغية، انتابني شعور مزدوج بالفرح والخوف. فبرغم التهليل الكبير لهذا النصر الذي حدث على واحد من أعرق الطغاة في هذه المنطقة، إلا إنه لم يكن واضحًا بما فيه الكفاية. اعتبر البعض المتابعة الإعلامية أنها تنتمي إلى الحرب الدعائية، أكثر من كونها إعلامًا يريد أن يعرض حقائق الوقائع، وهذا ذكّرنا بما قامت به "CNN" في حرب الخليج الأولى، حيث كان الانتصار إعلاميًّا قبل أن يكون واقعيًّا. برغم ذلك فرحت كثيرًا؛ فها هم الثوار يتقدمون نحو نصرهم النهائي، وها هي ليبيا تذهب نحو حريتها التي غابت عنها على مدار أربعة عقود من الزمن، عاشت من خلال صورة نمطية للديكتاتور الذي لخّصها فيه، وجعل نفسه ممثلها الأول والأخير، ففي وعينا ولا وعينا، ليبيا هي القذافي والقذافي هو ليبيا، ولا نستطيع تصور شيء آخر عن ليبيا غير ذلك.

لا أدري لماذا برغم أن ليبيا هي الجارة القريبة للجزائر، مسقطي، لم تنتبني أي رغبة لزيارتها، ولم أفعل ربما لإحساسي بأن بلدًا يحكمه شخص مثل القذافي منذ اثنين وأربعين عامًا لن أجد فيه ما يناسب قناعاتي، أو درجة حريتي التي أتطلبها في أي سفر أقوم به. ثم إن من زارها من الأصدقاء كان يعود بانطباع سيئ: "بلد غريب"!

صحيح أن الكثير من البلدان العربية الرازحة تحت الاستبداد تبدو غريبة لبعض الجزائريين الذين برغم أنهم يعانون هم أيضًا من حكم فاسد وغير مرغوب فيه، إلا إنهم ظلوا يتمتعون بحرية الكلام. فهم يقولون كل شيء يريدون قوله، ولم تستطع أي سلطة مهما كان بطشها حرمانهم هذا الحق الذي اكتسبوه ربما من خشونة رأس الجزائري، أو من تكلفة الدم الباهظة التي دفعها لنيل حريته عام 1962م أو من شبه ديمقراطيته في 1988م. لذا كانوا يشعرون بغرابة عندما يزورون بلدانًا عربية لا يستطيع المواطن فيها أن يتحدث بحرية كاملة مثلما يفعلون هم عن نظامهم وحاكميهم. وهذا ما كنت أفهمه طبعًا، فلقد شعرت بالشيء نفسه عند زيارتي الأولى لسوريا عام 1990م. فاجأتني من المطار لافتة كبيرة: "حافظ الأسد رئيسنا للأبد". مكثت أسبوعًا تحت طائلة الخوف من قبضة الذين شعرت أنهم يحرسون خطواتك لمجرد أنك صحافي أو كاتب، وتركت البلد غير آسف، مقررًا عدم العودة إليه، وبالفعل لم أعد. كنت أكره لو ذهبت ومارست السياحة عارفًا أن المئات يرزحون في سجون هذا النظام، فقط بسبب مواقفهم وآرائهم. كما كنت أرفض حتى مصافحة بعض الموظفين السوريين الذين يأتون إلى الجزائر ضمن وفود رسمية؛ شعورًا مني بما قد تكون لهم من مسؤولية مباشرة أو غير مباشرة عن دخول مثقفين إلى السجن. طبعًا سوريا هي هذا وذاك، ومثلما يخضع البعض، يبقى الكثيرون متمردين، فنحبّهم ونحترمهم لهذا السبب.

أعود إلى ليبيا وتحرير طرابلس الذي أشاع فرحًا عامًّا بين الثوار الليبيين والعرب المدافعين عن حريتهم اليوم، إلى فرحتي أنا أيضًا. ذلك أن الخلاص من استبداد القذافي يفتح أفقًا جديدًا لهذا البلد الذي كان من المفروض أن يكون في مقدمة الدول المغاربية حداثةً وتطورًا، من حيث إمكاناته الكبيرة وعدد سكانه المحدود، لولا أن الديكتاتور كان آخر همّه تطوير شعبه ومنطقته، وبدلاً من الدخول في معارك حقيقية من أجل تنمية بلده، مارس السياسة بعتهه المعروف، وجنون عظمته المرضي.

Pages