كتاب " سيرة طائر الليل " ، تأليف بشير مفتي ، والذي صدر عن منشورات الضفاف للنشر والتوزيع ، نقرأ من مقدمة الكتاب :
You are here
قراءة كتاب سيرة طائر الليل
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
كان الفرح نابعًا من العاطفة ومن الإحساس بأنها النهاية لمن يظنون أنفسهم فوق طائلة حكم التاريخ، كما تصرّف الحكّام العرب على مدار العقود الفائتة وهم يشعرون بأمان كبير، فقط لأنهم يقبضون على شعوبهم، ولأن الغرب في صفّهم ما داموا لا يتوانون عن بيع قضاياهم الوطنية والقومية مقابل الحصانة الغربية التي رُفعت عنهم اليوم، فتجردوا من أي قوة وبطش. ولعل هذا ما فهمه القذافي وهو يرى "حلف الناتو" يقف مع جبهة الثوار وليس مع جبهته هو، برغم ما كلّفته عودته إلى الواجهة الدولية من مال كبير لشراء سكينته وهدوء كرسيه وبقائه على العرش.
طبعًا انهزم القذافي في معقله طرابلس بطريقة مخادعة، حيث كان ينتظر الثوار من البر، فجاؤوه بمساعدة "حلف الأطلسي" من البحر. كما شن الإعلام هجومًا ساحقًا بترويج شائعات، منها القبض على أبناء القذافي وبخاصة سيف الإسلام، الأمر الذي جعل الهزيمة فاحشة وقاسية على من كان يسمّي خصومه الثوريين بالجرذان، ففر هاربًا ولم يبق له من مكان يمارس فيه سلطته الخشبية تلك، والصوتية بشكل خاص، فانتهى كجرذ متخفٍّ في مجاري المياه حتى لا تفتك به أيدي الثوار الذين لن يسامحوه، ليس على الاثنين والأربعين عامًا التي حكم فيها فحسب، ولكن أيضًا على الرغبة التدميرية التي أراد بها أن يطهر شعبه يوم خرج في أول تظاهرة ببنغازي.
إنها صورة مأساوية بالتأكيد، وتعبّر عن حجم الوضع المأساوي الذي تعرفه ليبيا منذ بداية انتفاضة الثوار المسلحين، وتدخل "حلف الأطلسي" كسند في المعركة. لا أحد يصدّق بالطبع أن هذا الحلف جاء من أجل عيون الليبيين أو لإنقاذ أرواحهم، برغم أن الشعارات هي نفسها التي استعملتها إدارة بوش عندما قررت قلب نظام الحكم في العراق وإطاحة الديكتاتور صدام حسين.
لا أحد سيلوم الليبيين طبعًا على هذا الخيار في الاستناد إلى قوة خارجية لإطاحة نظام كنظام القذافي؛ لأن البلد بلدهم ولا أحد سينصّب نفسه وصيًّا عليهم، ولكن من شأن هذه الخطوة أن تكلفهم غاليًا في السنوات اللاحقة، وقد تزرع البلبلة والشقاق في ما بينهم.
لقد راهن القذافي من جهته على هذه الخطوة، حتى وإن كانت السبب المباشر في دحره وهزيمته، وسيحاول أن يعطي مشروعية لقتال الغربيين والكفار، وإشعال نار الحرب القبلية وليس الأهلية بين مختلف القبائل الليبية، التي لا أظن أنها ستخرج بسهولة من غريزة الثأر القبلي في ما بينها، إلى وجود حركات جهادية متطرفة، مما قد يفتح الباب واسعًا لمخاوف كثيرة في المنطقة.
الاحتمال الوارد أن ليبيا لن تكون قوة عسكرية تهدد أحدًا في المستقبل، وهي ستدخل ضمن الدول الضعيفة عسكريًّا، وسيكون حكمها السياسي بالتأكيد مدنيًّا ومتعددًا، وستكون مناطق البترول آمنة بطبيعة الحال، والأفق الليبـي محكومًا بحماية أمن خارجي، ما سيعطي "حلف الأطلسي" دورًا كبيرًا في القيام بهذا الدور.
الاحتمال المرغوب فيه، هو إعادة بناء مجتمع منفتح ومتعدد وديمقراطي، يتأسس على قيم الحداثة والمواطنة، بحيث تستعيد الحياة الطبيعية مكانتها، فلا تكون السلطة الليبية الجديدة تحت وصاية الغرب، بل مستقلة بالفعل وعاملة على ترسيخ الحرية والعدالة والتطور.
سقوط القذافي لا يعني سقوط ليبيا بالتأكيد، لكن توجد إرادات كثيرة ستتصارع حتمًا، ونحن ننتظر أن يفوز الأكثر وطنية وحرية على الأكثر شرًّا وإجرامًا.
عن ملحق النهار الثقافي
جريدة النهار البيروتية 4/9/2011م