You are here

قراءة كتاب الفلسفة والنسوية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الفلسفة والنسوية

الفلسفة والنسوية

كتاب " الفلسفة والنسوية " ، تأليف كوكبة من الباحثين ، اشراف وتحرير د.

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: منشورات ضفاف
الصفحة رقم: 8

المرأة من التبعية إلى الفاعل المبدع

انتهى عصر الجوارين عصر المرأة، عصر القوّة الناعمة والسيطرة الدقيقة. حواء، بلقيس، زنوبيا، عليسة عبرن برق التاريخ، لا بغرور، ولكن بقدرة على التدبّر والحيلة والذكاء. فرسم معالم التاريخ غنسانوي تشاركي تكون فيه المرأة شريكا إيجابيا. يميل الكثير من المفكرين إلى الاحتجاج على سيادة الهويّة الذكورية ويؤكدون على أنّ مسألة السيادة ليست إلا مسألة إدراك للذات، وإدراك الذات يقتضي الوعي بانّ للمرأة القدرة بأن تتخذ موقعا فكريا ووجوديا يرفع عنها كلّ القيود وتشعرها بأنّ الحرية ليست تمثلا نظريا، بل هي بالفعل اختيار وقدرة على اتخاذ قرار، هو وليد فكر منتظم. ووجود الاختيار والقدرة على الفعل دائما ما يكون داخل حدود ما يُنظر إليه على أنّه ممكن وقابل للتحقق نظرا إلى أنّ معيار الحقيقة قابعة في فكر قديم يرجح كفّة الرجل. ولهذا فإنّه من الضروري أن نعيد النظر في أصل التصنيف ودواعيه.

يشدّ انتباهي وأنا بصدد التذكر، تذكر هذا الكوجيتو الديكارتي الذي شدّ سماء الميتافيزيقا الحديثة إلى وتد الفكر، حتى كاد يصبح نقطة أرخميدس. فبالفكر وحده يكتسب الإنسان إنسانيته. فهذا الكوجيتو الذكوري، وهذه الأنانة الموغلة في برجها العاجي حكمت على كلّ ما هو أنثوي بأنّه عائق: الخيال والإحساس والجسد حتى اقصى كلّ ما هو حسي من مملكة الإنسان. وما يشدّ في هذا الكوجيتو حقّا هو أنّ الديكارتية وأبا الحداثة يستمدّ فكره عن جدارة من مدى توافقه مع ما تفترضه البنية الفكرية عصرئذ، بمعنى أنّ هذا الكوجيتو الذكوري لمّا عُرض على الملكة إليزابيث، وهي من تلميذات ديكارت وحين سألت أبا الحداثة عن الحداثة بقولها: "كيف لك أن تنفي حضور الجسد وإدراكه للأشياء وأنت الذي يجلس أمام المدفئة وأنت الذي يكتب تأملاته أمام النافذة وينظر"، فكانت إجابة ديكارت: "نعم، وانّ الجسد موجود وعلاقته بالنفس هي كعلاقة الربان بالسفينة". نلاحظ هنا أنّ المرأة قادرة على النقد والتنبه إلى ثنايا العقل وبنيته. فتراجع ديكارت عن الإقصاء الكلي للجسد في تأمّله السادس، فكان تحت تأثير أسئلة الملكة إليزابيث. وفي ذلك دليل على أنّ الفكر إذا ما استند إلى السلطان استمدّ وجاهته حتى وإن كان الفكر فلسفيا. فالسلطان كان كنيسة أو قديسا، رجلا أو ناسكا متعبّدا، فإنّه يضع دساتير وقوانين تراعي الأنا دون الغير في مقاربة انعزالية.

ويمكن للمقاربة الانعزالية أن تكون طريقة لإساءة فهم الآخر في العالم، رغم أنّنا في حياتنا العادية نرى أنفسنا أعضاء لعدد متنوّع من الجماعات المختلفة. إنّ الشخص نفسه، رجلا كان أو امرأة، يمكن أن يكون دون أيّ تناقض مواطنا مسيحيا، مسلما، ليبراليا، امرأة أو رجل، مؤرخا، روائيا ومناصرا لقضايا المرأة وطبيعيا في علاقته بالجنس الآخر، ومؤمنا بحقوق المرأة. هذا الكمّ الهائل في الاختلاف والتنوّع يحدّ من كلّ مقاربة انعزالية، اعتبارا إلى أنّ الهوية ليست عزلة وتفرّدا، بل هي مركبة، بمعنى أنّ الاختلاف إثراء للفكر وأنّ التفطن إلى نقائص الفكر الديكارتي ليس تحطيما لفكر ذكوري، وإنّما هو ترشيد لما كان طيّ النسيان، ألا وهو أنّ المرأة تتفطن بحدّة من البصيرة إلى أنّ الفكر الديكارتي يحتاج إلى رؤية موضوعية. وهو ما تفطنت إليه إليزابيث في قراءتها للتأملات الديكارتية.

تتعرّض إنسانيتنا المشتركة لتحديات أساسها أنّ الفوارق تطغى أكثر فأكثر، وأنّ إثارة الشقاق والنـزاع بكثير من التضييقات الجمعية والمتنوّعة، حكم على المرأة أن تكون صدى للتفكير، بل كائنا لا يفكر بأنفسنا.

Pages