أدركت أن للحكاية في حياة الطفل سحراً تربوياً كبيراً وفائدة تعليمية لا تبارى. فهي تنمي خيال الأطفال وتصقل نفوسهم وترهف أحاسيسهم.
You are here
قراءة كتاب الدومري حكايا شعبية من حي الصالحية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
في عهد أمير دمشق مجير الدين أبق بن بوري الذي تواطأ مع الصليبيين في سبيل البقاء على العرش، وصلت الغارات الصليبية إلى القرى والأرباض القريبة من دمشق فدب الفزع بين سكانها ونزحوا إلى دمشق ليحتموا بأسوارها حتى ضاقت دمشق بهم وأضحت تترقب الفرج وتلتمس المخرج من هذا العسر. إلى أن جاءت سنة 549 هــ و أتى المنقذ لها الأمير محمود بن زنكي ( الشهير بنور الدين الشهيد) فوطّد الأمن في المدينة وأعاد الطمأنينة إلى سكانها. وراحت دمشق تؤسس خارج سورها أحياء جديدة مكان تلك الأحياء المندثرة، فتأسس حي العقيبة والنيرب والربوة وغيرها.. ثم تأسست الصالحية. ففي سنة 551هــ وصلت أول قافلة من لاجئي فلسطين إلى دمشق يرأسها الشيخ أحمد بن قدامة المقدسي ونزلوا بمسجد أبي صالح وتتالت موجات اللاجئين الفلسطينيين(3) إلى دمشق حتى ضاق مسجد أبي صاح بهم فتطلب الحال التفتيش عن موقع رحب فسيح، فوقع اختيارهم على سفح قاسيون على مقربة من نهر يزيد فبنوا لهم داراً تحوي عدداً كبيراً من الحجرات دعيت بدير الحنابلة(4) ثم شرعوا في بناء أول مدرسة في الجبل وهي المعروفة بالعمرية(5) وتتابع البناء حولها. وعضّد هذه الحركة السلطان نور الدين الشهيد ثم الملوك الأيوبيون وخواتينهم(6) فبنوا مدارس ومساجد عدة جعلت تلك الأرض القاحلة مزدهرة بالعمران زاخرة بالقصور والأشجار والأزهار.
(( وهكذا اتسعت الصالحية وكبرت حتى أضحت مدينة تبزُّ مدينة دمشق الأم بحسنها وجمال موقعها.. ويصفها القلقشندي وصفاً رائعاً فيقول: مدينة الصالحية مدينة ممتدة في سفح الجبل تشرف على دمشق وضواحيها. ذات بيوت، ومدارس، وربط، وأسواق، وبيوت جليلة، ولكل من دمشق والصالحية البساتين الأنيقة.. ويبدو أن القلقشندي يساوي بينها وبين دمشق في الوصف وخطارة الشأن(7))).
وإذا سميت الصالحية بهذا الاسم نسبة إلى أولئك الرجال الصالحين الذين أسهموا في تأسيسها. فكذلك نساؤهم يحق لهن أن يسمين بالصالحات لكثرة ما نهلن من معين الأدب والعلم. فكن يحضرن حلقات العلم ومجالس الحديث فنشأ في الصالحية ثم في دمشق حركة نسائية ثقافية، كان جل العالمات من الحنابلة(8)، وكما استأثر العلماء في ذلك العصر بألقاب الدين كزين الدين، وتاج الدين، ومحيي الدين، وكذلك استأثرت العالمات بالسيادة المطلقة فلقبن: ست الناس، ست العرب، ست الكل، ست الأهل، كما استأثرت بسيادة العلماء أيضاً مثل: ست الفقهاء، وست العلماء، وست القضاة، وست العمائم(9).
ومما تقدم أستطيع القول إن المرأة في الصالحية لا تزال تحتل بعض بقايا هذا الرصيد الثقافي الكبير الذي كان للمرأة في هذا الحي منذ وقت ليس ببعيد، والذي لا تزال آثاره بادية عند نسوة هذا الحي العريق حتى الآن. فمعظم نسوة الصالحية يتصفن بحسن الحديث ولباقته وأدبه، ومنهن من يحفظ الأمثال والشعر والزجل وبعضهن حافظات للقرآن الكريم وكثير من الأحاديث النبوية الشريفة وحتى الأميات منهن يُتقنَّ سرد القصة وحكاية الحكايا: وهذا ما يسهم إسهاماً كبيراً في تربية الناشئة التربية الصّالحة، وغرس المثل العليا في نفوس أطفالهن، وما يساعد على خلق المواطن الصالح الخيِّر المعطاء.