لقد قررت إعادة طباعة كتابي "التوحيد في تطوره التاريخي" التوحيد يمان وما كنت أعلم أن هذه التسمية ستصبح واقعاً بإرادة الله، وبعد ما أحدثه جلّ وعلا من متغيرات في وجداني في لحظات، وفي ليلة جليلة مباركة، صحوت على أثرها وأنا إنسان آخر، وكانت لدي الشجاعة الكافية ا
You are here
قراءة كتاب التوحيد في تطوره التاريخي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
تأثير البيئة في الدين:
أثر المحيط الجغرافي في الدين، فاختلفت ديانات أهل الجبال عن ديانات سكان السهول والوديان وديانات المناطق الصحراوية الحارة عن ديانات البلدان الزراعية المعتدلة الطقس والحرارة... كما أن تطور أشكال المجتمعات الإنسانية عبر المراحل الزمنية المختلفة قد لعب دوراً كبيراً في تطور الدين وتشريعاته وأخلاقياته الاجتماعية... ويمكننا أن نلمس أن المجتمع الرعوي يختلف في تفكيره ونظرته الدينية للحياة والكون والإنسان والمجتمع عن نظرة مجتمع الزراعة... كما اختلفت كلية نظرة المجتمع الصناعي عن نظرة المجتمعين الرعوي والزراعي حيث أصبح الدين عديم الفعالية والقدرة ضعيف التأثير في حياة الناس بل أضحى في بعض من تلك المجتمعات عديم الفائدة تماماً.
أن علماء الأديان وهم يقومون بدراساتهم المستفيضة لتاريخ الأديان وتطورها والأدوار التي مرت بها يقومون بعملية تقسيم ثلاثي هرمي لها... فيضعون في قمتها الأديان العامة والمطلقة والمسماة..." "Universal Religions الأديان العالمية. ثم يوسعون القاعدة ليدرجوا تحتها الأديان القومية، ويأتون إلى أسفل البناء الهرمي ليضعوا الأديان القبلية وقد استندوا في دراساتهم وتقسيماتهم إلى تحليل الأوضاع والظروف الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية، إلخ.
ومما لا شك فيه أن تلك الظروف تؤثر في منحى الأفكار الدينية وتطورها فتلعب دوراً كبيراً في تحديد السمة الحقيقية لدين أي جماعة بشرية حددت ملامحها مجمل ظروفها المادية المؤثرة والفعالة فيها.
لقد كيَّف الناس أديانهم التي عبدوها حسب أمزجتهم النفسية، والتي كانت نتاجاً حقيقياً للعوامل البيئية والطبوغرافية... فتصور العرب وسكان الصحارى في أفريقيا وآسيا آلهتهم كبيرة متناهية القدرة والرؤية كصحاريهم الواسعة الممتدة وتصوروا دنيا الآلهة، وعلى وجه الخصوص (الله) رب السموات والأرض، له جنات وارفة الظلال كثيرة الأعشاب والأطياب كمحاولة نفسية منهم للتعويض عن الحرمان الذي عانوا منه وهم في صحرائهم القاسية.
ولعبت السياسة مثلها مثل بقية العوامل دورها في تطور الأديان ذلك أن الانتصارات السياسية قد أدت إلى انتصارات دينية ففرضت آلهة المنتصرين وعاداتهم وقيمهم الدينية على الأمم والشعوب والقبائل المهزومة؛ كما كان للهزيمة السياسية هزيمة دينية وعقائدية. أدت السياسة دورها في التطور العقائدي حين توحدت السلطات الدينية والدنيوية فكان الحكام في كثير من الأحيان هم الكهنة، وكانت الكنيسة في فترات تاريخية طويلة هي السلطة الحاكمة وتقلص تأثيرها السياسي بانفصال السلطتين عن بعضهما.
لقد جاءت المرحلة العليا في تطور الأديان، والتي بدأ فيها الإنسان بتقديس مفاهيم مجردة محدودة التأثير كالخير والشر والعدالة والحقيقة بعد أن تخلى عن مرحلة أكثر تخلفاً كان يقدس فيها بعض الظواهر الطبيعية كالرعد والبرق ثم عبادة بعض الموجودات الطبيعية نباتية أو حيوانية وفي مرحلة أرقى عبادة الكواكب الشمسية ثم الاستفراد بواحد منها وهو الواحد المتجسد والمصور، وأخيراً الواحد التجريدي الكلي الفعالية والذي جاء عبر مفهوم اللوغوس (الكلمة) بعد أن خطى الإنسان خطوة عظيمة في مفاهيمه الفلسفية.
ومما لاشك فيه أن اللوغوس أو (الكلمة) هي التي شكلت ومنذ البدء مفتاح القضية الكبرى للإنسان بعد أن أدركها واستوعبها فلسفياً. وبهذا البدء نفذ إلى المفهوم التجريدي الكلي القدرة، وبدء في وضع الخطوط الأولى لذلك على يد فلاسفة اليونان.