يهدف هذا المساق إلى التعريف بالاصول والمرتكزات الفكرية ، والمرجعيات الفلسفية التي تقوم عليها مناهج البحث في الفكر الغربي،وبيان أن مناهج البحث ترتكز كليا على المقولات الاساسية التي تشكلها الرؤية الكلية وتصبغ عليها صبغتها ،وعليه يصبح القول بان هذه المناهج تقو
أنت هنا
قراءة كتاب الأصول المعرفية لمناهج البحث في الفكر الوضعي والفكر الإسلامي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الأصول المعرفية لمناهج البحث في الفكر الوضعي والفكر الإسلامي
ثانياً:الفكر الفلسفي اليوناني والمسيحي
سوف نتناول بعض آراء فلاسفة اليونان ـ أفلاطون وأرسطو وأبيقور وزينون ـ ونستطلع آرائهم فيما يتعلق بقضايا الفكر الفلسفي التي تقوم عليه المجتمعات والأسس المعرفية التي انطلقوا منها لمعالجة قضايا المجتمع والاجتماع الإنساني، ولا يخفى الأثر البعيد لهؤلاء الفلاسفة على الفكر الغربي الحديث في تشكيل رؤاهم الفلسفية. وهذا ما سوف يجرى أيضاً على بعض فلاسفة المسيحية .
أولاً: أفلاطون :
من أهم البحوث التي تركها أفلاطون، الجمهورية، السياسي، القوانين، وكل هذه المؤلفات تذخر بالبحوث المتصلة بالدراسات الاجتماعية وأصولها المعرفية والعلمية التنظيمية، في تنظيم المجتمع والاجتماع الإنساني وفقاً لهذه المنطلقات الفكرية والفلسفية، غير أن كتاب الجمهورية هو الذي استأثر بأوفر نصيب من هذا اللون من التفكير، وجاء عبارة عن بحث منظم في الفلسفة، وكان الغرض الذي يرمي إليه أفلاطون من هذا الكتاب هو تقدير الأصول الضرورية أو وضع التخطيط الأمثل لقيام جمهورية مثالية أو مدينة فاضلة تنتفي فيها الشرور والآثام التي تذخر بها المجتمعات المعروفة في عهده، ويتكون مؤلف الجمهورية من عشرة أبواب، يتحدث أفلاطون في سبعة منها عن العدالة باعتبارها فضيلة النفس الفردية، كما هو نظام يتعلق بالدولة، لذلك اقتضى بحثه تفسير طبيعة الإنسان وتكوين الدولة على حدٍ سواء.
الفلاسفة وماهية الفلسفة عند أفلاطون :
تقوم نظرية أفلاطون فيما يتعلق بفئة الفلاسفة وتميزهم بالطبيعة على بقية الفئات، على أساس أنهم فئة خاصة من بني الإنسان وهبوا حاسة لا توجد لدى غيرهم من الناس وهي حاسة إدراك الحقائق العامة والمقولات المحضة. وأنهم يتوصلون إلى هذه الحقائق عن طريق الإلهام والإشراق فهم يلهمون هذه الحقائق إلهاماً، وتشرق عليه إشراقاً، وتفيض عليهم عفواً دون جهد ولا عناء، وأصل ما ذهب إليه أفلاطون أن النفوس قبل اتصالها بالأبدان كانت تعيش في عالم المثل، وقد أتيح لها وهي في هذا العالم إدراك كثير من الحقائق العامة، ولكنها بعد أن اتصلت بالأبدان نسيت معارفها الأولى، غير أنها في أبدان الفلاسفة، وهم الذين خصوا بالحاسة السالفة الذكر التي تستطيع أن تتذكر هذه المعارف، إذا مر بها في هذا العالم المادي ما يثير حقائقها ويدعوا إلى استعادتها وتحدث لديها هذه الاستعادة عن طريق الإلهام والإشراق.
والفلسفة عند أفلاطون هي حب المعرفة، والسعي إلى الحقيقة. فأين الحقيقة ؟. ليست الحقيقة عند أفلاطون في الظواهر المحسوسة، لأن هذه الظواهر ليست دائمة كذلك ولا هي مطلقة فيما لها من صفات، فإذا افترضنا أنها جميلة أو خيرة، فإنها ليست كذلك إلا من جانب معين ولوقت معين، أما المطلق الدائم الحقيقي فهو مثالها العقلي، وهو الجمال في ذاته، والخير في ذاته. وهذه المثل هي وحدها موضوع علم الفلسفة، لذلك يفرق أفلاطون بين الظن وهو المعرفة التي تقف عند حدود الظواهر الحسية وبين العلم وهو المعرفة اليقينية التي تدرك الحقائق العقلية أو المثل، وحال الفيلسوف بين قومه هو أن يكشف للناس وهمهم، بعد أن يرتفع من إدراك المحسوس إلى المعقول معتمداً في ذلك على مناهج الجدل الذي يبدأ بالمران على التصورات الرياضية، ثم يرتفع منها إلى إدراك المثل العقلية إلى أن يصل إلى قمة المثل، الذي هو مثال الخير.
مفهوم العلم عند أفلاطون:
وتعد أفكار أفلاطون هذه عن المثل، وارتباط الظواهر الحسية بأبعاد أخرى أعمق، تصل إلى تصور عالم آخر أو ما ورائي، هي مباديء الفلسفة المثالية في الفكر اليوناني والفكر الغربي من بعده، لأنه يتصور الواقع المحسوس على أنه ظني الدلالة، ولا يمكن أن يستنبط منه علماً، إنما قد يعطي معرفة ظنية لا ترقى إلى أن تكون معرفة يقينية تستقي من عالم المطلق أو عالم المثل، عبر الفيلسوف المطلع على الحقائق العقلية من بعد ديني إلهي. وعليه فإن العلم عنده هو الإدراك التام بواسطة العقل والحدس لعالم عقلي مفارق للمادة، ولكنه قائم بذاته خارج الذهن، وهو إدراك وعلم المثل بواسطة التذكر. حيث يرى أفلاطون أن للنفس أو الروح وجود سابق لوجودها في البدن، حيث كانت موجودة في عالم المثل والذي هو وجود كوني موضوعي ذو صفة روحية قائم خارج عالم الحواس، وعالم المعقولات عند أفلاطون يبتديء من حيث ينتهي عالم المحسوسات التي هي أسفل درجات الوجود، وعالم الموجودات له مراتب هي[10] :ـ
1. عالم الكليات. وهي مدلولات الأسماء العامة.
2. عالم الأعداد الحسابية.
3. عالم المثل. وهي النماذج الكاملة للأشياء المحسوسة.
4. وعالم المعاني المجردة كالحب والكراهية.
5. وأخيراً عالم الصانع.
ومعرفة الوجود وإدراكه تنال بعملية الحدس والاستبصار، وكلما قويت ملكة الفكر بالتأمل والدراسة الفلسفية وبالجدل الصاعد أنعتق الإدراك من حبس البدن وقويت لديه الملكة العقلية، وكلما قويت الملكة العقلية اشتعلت الذاكرة، فتذكرت الروح المشاهدات التي كانت قبل الهبوط إلى البدن والتلبس بالمادة، ويعطي أفلاطون مثالاً مشهوراً لذلك في كتاب الجمهورية.
خصائص العلم عند أفلاطون[11]:
1. الوضوح والجلاء.
2. الثبات وعدم التغير.
3. اليقين الذي لا يخالطه الشك.