يهدف هذا المساق إلى التعريف بالاصول والمرتكزات الفكرية ، والمرجعيات الفلسفية التي تقوم عليها مناهج البحث في الفكر الغربي،وبيان أن مناهج البحث ترتكز كليا على المقولات الاساسية التي تشكلها الرؤية الكلية وتصبغ عليها صبغتها ،وعليه يصبح القول بان هذه المناهج تقو
أنت هنا
قراءة كتاب الأصول المعرفية لمناهج البحث في الفكر الوضعي والفكر الإسلامي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الأصول المعرفية لمناهج البحث في الفكر الوضعي والفكر الإسلامي
ثالثا:أثر اليهودية والمسيحية في الحركة الفكرية والفلسفية
تأثر اليهود في العصر الهيلنستى بالحضارة اليونانية وقد تسربت الثقافة اليونانية إلى العقيدة اليهودية، واتخذت مثالاً يحتذي في التفكير، ولما تأسست الإسكندرية أقام بها كثير من اليهود واتخذوا اليونانية لغة لهم، مما أدى إلي ترجمة العهد القديم كتابهم المقدس إلي اللغة اليونانية. وفي القرن الميلادي الأول ظهر في الإسكندرية أشهر فلاسفة اليهود فيلون السكندري الذي تشبع بالفلسفة اليونانية إلي حد أن لقب بأفلاطون اليهود.
فلسفة فيلون السكندري: ـ
شملت أراء فيلون الفلسفية أربعة قضايا أساسية وهي:
آراءه في التأويل المجازى، وآراءه في الإله وصلته بالكون، وأراء حول الكلمة أو اللوغوس، وأخيراً آراءه حول الحكمة الإلهية.
أ} شاع في عصر فيلون أسلوب التأويل الرمزي المجازي وخاصة في الفلسفة اليونانية، وشاع أيضاً عند الرواقيين وخاصة في تفسيرهم لقصص الميثولوجيا اليونانية وآلهة الدين الشعبي، ولعل فكرة التأويل المجازى التي تفترض أن الحقيقة مختفية وراء رموز وأمثال إنما ترجع إلي الأسرار الاوفية، وقد استعمل فيلون هذه الطريقة لتأويل قصص الثورات فرمز لتاريخ بني إسرائيل في طاعتهم أو عصيانهم الله بالنفس في اقترابها أو ابتعادها عن الله أو بأحوالها التي تتوالى عليها في هذه الظروف، فمن تأويله لسفر التكوين[(] أن الله أول ما خلق العقل النقي السماوي الذي يحيا بالفضيلة التامة، وشكل على مثال هذا العقل السماوي عقلاً أرضياً يرمز له بشخصية آدم، ثم خلق له مساعداً هو الإحساس متمثلاً في حواء ولكنها تضله وتغويه فيفسد بالشهوة التي يرمز لها بالحية، وعودة الأمل والرجاء إلي النفس بعد ندمها على ما صدر عنها ويرمز لمرحلة الندم بإدريس عليه السلام لينتهي الأمر بالعدالة التي يرمز لها بنوح عليه السلام، ومرحلة التطهير التام المرموز لها بالطوفان[27].
وكان يستخدم التأويل في حديثه عن طريق عودة النفس ووسيلتها إلي معرفته، بثلاثة طرق وهي : ألمجاهده والزهد وهو طريق المريدين ، ويرمز له بيعقوب، عليه السلام وطريق الدراسة والتعليم ويرمز له بإبراهيم عليه السلام ، إما أعلى الطرق وهو طريق الكاملين فيتم بهبة إلهية أو بنعمة إلهية وهو طريق إسحاق ، وقد استطاع أن يصل بهذا الأسلوب إلي نظرية فلسفية يشرح بها عقيدته في الوجود.
ب} نظرية فيلون في الله وصلته بالوجود:
يرى فيلون أن " يهوا " إله اليهود ، مفارق للعالم المحسوس وهو إله المتعالي اللامتناهي في صفات الكمال التي لا يمكن أن تعدد أو تحصر في عدد معين لذلك فهو لا يمكن وصفه إلا بالسلب، غير أنه لفرط علوه عن العالم ولعظم الهوة التي تفصله عنه لا يؤثر مباشرة في العالم، بل يؤثر عبر وسائط أو قوى إلهية، وأهمها : الكلمة أو اللوغوس، والحكمة الإلهية .
أ/ اللوغوس[(] أو الكلمة: وتعد نظرية اللوغوس أهم ما في فلسفة فليون، وقد تأثر فيها بمصادر شتى أهمها الفلسفة اليونانية سيما عن هرقليطس والرواقيين. وقد استقى فيلون فكرة اللوغوس من هذه المصادر المختلفة وحاول أن يقربها إلي العقل، ويرى أن صلة اللوغوس بالعالم أن الإله خلق العالم على مثاله، ويصف اللوغرس بكل صفات الكمال، أما عن صلة اللوغوس بالإله فهو واسطته إلي الخلق ورسوله إلي الناس وهو أيضا الذي ينقل إليه تضرعاتهم. فهو أبن الإله ورسوله وهو وسيلته لخلق العالم وقد أثرت هذه النظرية في العقيدة المسيحية وظهرت أثارها في إنجيل يوحنا وهو الإنجيل الرابع والذي يرجح أنه كتب في القرن الثاني وتأثر كاتبه بفلسفة فيلون[28].
ب/ إما الوسائط الأخرى التي تصورها فيلون بين الإله والعالم فهي القوى الإلهية قوة الخير التي من خلالها أوجد العالم، وقوة القدرة التي يسيطر بها على العالم، وهي قوة خيرة خلاقة وهي أيضاً قوة حاكمة تنزل العقاب لتحقيق سيادة الإله على خلقه، وهي في جماعها الحكمة التي يتحد الإله بها ينتج عن إتحاده بها العالم وكثيراً ما يرمز لهذه الحكمة الإلهية بأنها أم العالم وقد تتصف بأنها زوج الإله[29]. وكل هذه الوسائط تتوسط بين النفس الإنسانية والإله، إلي جانب الإله اللا متناهي وجد العالم المتناهي عالم المادة والشر الذي تحاول النفس الخلاص منه أما بالمجاهدة أو بالعلم أو بالنعمة الإلهية لكي تصل إلي الإله وتتحد به، وهذه هي الغاية من الإيمان في العقيدة اليهودية.