يهدف هذا المساق إلى التعريف بالاصول والمرتكزات الفكرية ، والمرجعيات الفلسفية التي تقوم عليها مناهج البحث في الفكر الغربي،وبيان أن مناهج البحث ترتكز كليا على المقولات الاساسية التي تشكلها الرؤية الكلية وتصبغ عليها صبغتها ،وعليه يصبح القول بان هذه المناهج تقو
أنت هنا
قراءة كتاب الأصول المعرفية لمناهج البحث في الفكر الوضعي والفكر الإسلامي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الأصول المعرفية لمناهج البحث في الفكر الوضعي والفكر الإسلامي
آراء توما الإكويني في العلم والمعرفة:
عالج القديس توما قضية العلم والمعرفة من خلال معالجته لقضايا أساسية تعد أس رؤيته الفلسفية اللاهوتية وهي وجود الله ودلالات وجوده، وماهيته، والخلق والوجود، وماهية النفس الإنسانية.
وفي القضية الأولى تناول الدلائل على وجود الله وقد حصرها القديس توما في خمسة أدلة، وتشكل عنده المعلومات أو دلائل الإمكان في العالم.
والدليل الأول والأوضح من جهة الحركة، وهو يرى أنه ليس يمكن أن يكون شيء واحد بعينه محركاً لنفسه لأنه لا يمكن لشيء واحد بعينه أن يكون بالفعل والقوة باعتبار واحد، فكل متحرك فهو متحرك من آخر، ولا يجوز التسلسل إلى غير نهاية، فلا بد من الانتهاء إلى محرك أو غير متحرك.
والدليل الثاني، من جهة جوهر الوجود المتحرك، من حيث أنه مفتقر إلى علة فاعلية، إذ لا يمكن أن يكون الشيء الذي يخرج إلى الوجود علة فاعلية لنفسه.
والدليل الثالث، من جهة الممكن والواجب في الموجودات، ويرى توما أن القوة والفعل تحتم إثبات الفعل الواجب لتفسير الممكن الذي بالقوة.
والدليل الرابع، من جهة تفاوت الموجودات في الصفات العامة، أي الأمور المعنوية الروحانية التي تقبل الإطلاق إلى اللا نهاية على ما ينبغي للموجود الأول.
والدليل الخامس من جهة نظام الطبيعة، وله وجهان عند توما، الوجه الأول أن الموجودات العاقلة من المعرفة تفعل لغاية، وهذا ظاهر من أنها تفعل دائماً أو في الأكثر على نهج واحد وبحيث تحقق الأحسن، مما يدل على أنها لا تبلغ الغاية اتفاقاً بل قصداً، وما يخلو من المعرفة لا يتجه إلى غاية ما لم يوجه إليها من موجود عارف، فإذن يوجد موجود عاقل يوجه الأشياء الطبيعية كلاً إلى غايته، أما الوجه الآخر فهو أن جميع الكائنات منظمة فيما بينها لانتفاع بعضها ببعض، والمتباينات لا تتفق في نظام واحد ما لم تكن منظمة من واحد! ويضع القديس توما الله علة فاعلية موجهة إلى غاية، انطلاقاً من نظريته في القوة والفعل التي هي دائماً عماد فكره ونقطة المركز من مذهبه.
وقد تميز القديس توما عمن تقدموه من المفكرين المسيحيين أمثال القديس أوغسطين، في أنه عرف العلم من خلال التحليلات الثنائية في مذهبه القائم على فكرة القوة والفعل، وذهب إلى أن الإيمان ليس علماً لمياً[38]، وأنه يعتمد على العلم الإنّي في أسبابه أو علامات صدقه، وأن المعرفة الإنسانية تبدأ من المنظور وترقى بالعقل إلى غير المنظور، ولا يصح عنده اعتبار المعرفة الإيمانية شيئاً أول، ولكنها فائقة للطبيعة ومن ثم زائدة على الطبيعة، وقاصرة على زمان معين وأناس مخصوصين. ويذهب توما إلى أن النفس الإنسانية تدرك الماهيات بقوة خاصة هي العقل، ولها فعل تستقل به دون الجسم، مما يدل على أن العقل الروحي، وأن النفس روحية إذ ليس يفعل بذاته إلا ما يقوم بذاته، وعلى خلاف ذلك النفس الحاسة والنفس النامية، فإن جميع أفعالهما تحدث في الجسم وبالجسم، فالقول والإرادة محلهما النفس، ومنها ما يزاول بآلة جسمية وهي أفعال النفس الحاسة والنامية، وجميع القوى النفسية صادرة عن ماهية النفس، والحق المطابق لماهية النفس والإنسان أن الاتصال وثيق بين العقل والحس، وأن العقل الإنساني وإن كان داخلاً في جنس العقل بالإطلاق، إلا أنه عقل معادل لماهية الإنسان يستفيد المعقولات من المحسوسات، فمن حيث هو عقل إنساني فله موضوع خاص معادل له هو ماهية الشيء المحسوس، ولا بد من وجود قوة في النفس تجرد الماهية من علائقها المادية الممثلة في الصورة الخيالية الحاصلة عن الإحساس، فتجعلها معقولة بالفعل، وقوة أخرى تتعقلها، القوة الأولى تسمى عند توما عقلاً فعالاً. والأخرى عقلاً منفعلا[39].
وعليه فالعقل الإنساني يدرك الوجود في كل ما يدرك، لأن كل مدرك بالفعل هو موجود بالفعل وجوداً عينياً أو ذهنياً، وأن ما يظهر للوجود فلا بد من علة لوجوده، وهذه تشكل المباديء الأولى للوجود والمعرفة عند توما والتي يدركها العقل عندما يجرد حدودها من التجربة، فيعتمد عليها العقل لتفهم الوجود وإقامة العلم بإطلاقه سواء كان علماً طبيعياً أو ما بعد طبيعي.