أنت هنا

قراءة كتاب الأصول المعرفية لمناهج البحث في الفكر الوضعي والفكر الإسلامي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الأصول المعرفية لمناهج البحث في الفكر الوضعي والفكر الإسلامي

الأصول المعرفية لمناهج البحث في الفكر الوضعي والفكر الإسلامي

يهدف هذا المساق إلى التعريف بالاصول والمرتكزات الفكرية ، والمرجعيات الفلسفية التي تقوم عليها مناهج البحث في الفكر الغربي،وبيان أن مناهج البحث ترتكز كليا على المقولات الاساسية التي تشكلها الرؤية الكلية وتصبغ عليها صبغتها ،وعليه يصبح القول بان هذه المناهج تقو

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 9

قواعد المعرفة عند أوغسطين :
تشتمل المعرفة عند أوغسطين على نوعين من المدركات: مدركات مادية، وأخرى معنوية، فأما الأولى فناشئة من انتباه النفس للتغيرات الحادثة في الجسم، وهذه التغيرات جسمية بحتة، يعقبها الإدراك وهو فعل النفس وحدها، إذ ليس انفعال الجسم تأثيراً في النفس، لأن الأدنى لا يؤثر في الأعلى، وهذا مبدأ مطرد عند أوغسطين وأفلوطين، لكن الانفعال نداء من الجسم للنفس وهي حاضرة في الجسم ترقب كل تغيير فيه لتكفل حسن تدبيره. ووجود النفس لازم من وجود الفكر فما أن يدرك الفكر وجوده حتى يدرك ذاته كقوة حية من حيث أن التفكير حياة بل أرفع مراتب الحياة، ويرى أوغسطين استحالة أن يكون الفكر من فعل الجسم، لأن الأشياء ـ التي نعرف بها أشياء جوهرية متميزة ـ هي أشياء متمايزة والجسم جوهر ممتد في الأبعاد الثلاثة، معلوم من خارج بالحس، بينما الفكر معلوم من باطن الفكر نفسه، وغير ممتد كما يتبين من أن تصوراتنا توجد معاً في الحس والعقل ولا تشغل حيزاً[34].
أما العالم في تصور أوغسطين ليس صورة الإله كالنفس، لانتفاء الشبه أو المماثلة بين المادة والروح ولكنه أثر الإله تتألف فيه الصفات الإلهية، كالوحدة والحقيقة والخير، ناقصة متفاوتة بسبب نقصه وتفاوت موجداته، وذلك أن كل موجود فهو واحد بماهيته، ولكن هناك فرق بين وحدة الجسم القابل للقسمة بما هو جسم، وبين وحدة النفس التي لا تنقسم بحال، وكل موجود فهو حق من حيث أنه يحقق ماهيته، ومحل الماهيات ذات الإله، فحقيقة الموجودات تقوم في مشابهاتها للحقيقة بالذات.
القديس توما الإكويني:ـ
وهو من فلاسفة القرن الثالث عشر وقد وجه مزيد عنايته إلى دراسة اللاهوت والفلسفة وعلاقتهما ببعضهما البعض، ومن أهم مؤلفاته وأكبرها " المجموعة اللاهوتية " وقد قسمها إلى ثلاثة أقسام كبرى، أول قسم فيها يتعلق باللاهوت وهو في تعريف الإله ذاته، ومن حيث هو مبدأ الأشياء ومن حيث هو غايتها، والثاني حركة الخليقة الناطقة إليه، وأخيراً في المسيح الذي هو الطريق إليه، وهو في القسم الأول ينظر في الله الواحد، في الإله الثالوث والخلق والمخلوقات، والقسم الثاني خصصه للأخلاق، وتناول في القسم الثالث العقائد.
آراء توما الإكويني في الاجتماع الإنساني:ـ
ذهب توما الإكويني إلى ضرورة الوجود الإنساني معتمداً في ذلك على نظريات أرسطو، فاعتبر الاجتماع الإنساني من حيث هو شيء طبيعي تنزع إليه الجماعات من الكائنات الحية، فهناك اجتماعات حيوانية وأخرى إنسانية، غير أن الاجتماع الحيواني يصدر عن الغريزة، بينما يصدر الاجتماع البشري عن الطبيعة العاقلة والإرادة الإنسانية. تعمل على تنظيم واستمرار الاجتماع الإنساني[35].
والمجتمع هو تجمع من أجل العيش الأفضل، ومن أجل جعل أعضاؤه قادرين على العيش بصورة مشتركة مادياً ومعنوياً بأفضل شكل ممكن، والقديس توما يرى أن للفرد غايتين: الأولى زمنية، طبيعية والثانية روحية فوق طبيعية،إنه إذن بحاجة لسلطتين : الدولة والكنيسة اللتان تحكمان نفس المجتمع البشري، والغاية الروحية فوق الطبيعة وتقابلها الكنيسة والتي تتمتع بالسمو إذ أنها تعد الغاية الأخيرة الوحيدة، وهي نفسها ـ أي الكنيسة ـ سلطة أعلى، وهذا يحدد العلاقة بين السلطة الزمنية والروحية عند توما، الذي يحاول أن يوازن بينهما دون التضحية بأحدهما على حساب الآخر، غير أنه لم يحصر التدخل الشرعي للبابا في السلطة الزمنية في دائرة بسبب الخطيئة، ولكنه خص رئيس الكنيسة بعبء الغاية النهائية أو الأخيرة، واعترف له بسبب سلطته الروحية العليا بسلطة زمنية على الأفراد، وهذه السلطة تمتد لكل نشاطات هؤلاء المتعلقة بهذه الغاية النهائية، بطريقة أو بأخرى وبأي مقدار، وهذا هو مبدأ توما القائم على خضوع الوسائل للغاية خضوعاً تسلسلياً أي خضوع الأمراء للكهان، وأن للبابا وحده أن يقرر ما يجب أن يقوله أولاً، وما يجب أن يفعله أم لا، وذلك تبعاً لمهمته فوق الطبيعية. ومتى وكيف وإلى أي حد يمكن أن يكون هناك تدخل في شئون السلطة الزمنية[36].
ويرى توما أن الجماعة الأوسع هي الكون، والذي يعتبر الإله أميراً له، فإن أول القوانين من حيث المقام وأكثرها شمولاً هو القانون الأبدي، أمر العقل الإلهي، ولأن العقل الإلهي لا يتصور شيئاً في الزمان، ولأن مفهومه أبدي فأنه يجب القول بأن هذا القانون هو أبدي، وبما أنه ينظم ويقيس كل ما هو خاضع للعناية الإلهية، فإن من البديهي أن تشارك كل الكائنات بطريقة ما في هذا القانون المطبوع فيها، والذي يجعلها تميل لأعمالها الخاصة ولغاياتها، ولكن الإنسان باعتباره مخلوقاً عاقلاً، يشارك فيه بشكل أكثر تميزاً وبنوع من الإشعاع، وهذه المشاركة في القانون الأبدي من قبل مخلوق مزود بالعقل هي القانون الطبيعي، ويتفرع عن القانون الطبيعي القانون البشري، والذي يكون في كل بلد، فالقانون البشري يعرف كل جريمة ويحدد عقوبتها بدقة، في حين أن القانون الطبيعي يحرمها فقط[37]. وقد كان القديس توما مقتنعاً بعمق التقاليد الوسيطة الخاصة بسمو القانون، وأن هناك اندماج بين القانون الطبيعي والقانون الوضعي البشري، على اعتبار أن القانون الطبيعي قد شارك فيه البشر، ويشكل منظومة عالمية هي عبارة عن انعكاس حقيقي للنظام الكلي.

الصفحات