أنت هنا

قراءة كتاب غيض من فيض

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
غيض من فيض

غيض من فيض

قصص قصيرة من وحي النضال الفلسطيني؛ فحق العودة إلى فلسطين حق مقدس لا تمحوه الأيام ولا يموت.

تقييمك:
3
Average: 3 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 7
ومرة أخرى تلاحق الأحداث عبد الرحيم وتسرق منه فرص التعليم وتحرمه من هذا الحق المقدس. وبدلاً من أن يجلس عبد الرحيم – الطفل – على مقاعد الدرس جعلت الأحداث منه راعياً وهو في ميعة الصبا يسرح بأغنامه.. يجوب البراري ويعتلي التلال ليطعم الخراف ويسقيها. وهذا ما كان يذكّره دائماً بخروفه الصغير الذي تركه مربوطاً في بستان أبيه بلا ماء ولا كلأ. وكان كلما توقف بقطيعه على مصدر ماء ليروي أغنامه كان يسمع نداء خروفه الصغير يلاحقه ويدق مسامعه ويجرّحها: ماءْ.. ماءْ.. ماءْ. هذا الغثاء المستمر جعل من قلب عبد الرحيم موئلاً تتنازع فيه متناقضات الحياة كلها: العطش والارتواء، الضحك والبكاء، الأخذ والعطاء، البقاء والفناء، فقد اعتصر قلب عبد الرحيم هذه المتناقضات بين جوانحه وانتصر للخير ضد الشر، ووقف إلى جانب العدل ضد القهر ولكن لابدّ حتى يستقيم الأمر، ويعود الحق إلى أهله... لابد من الثأر والانتقام حتى يموت الحرب ويحيا السلام.
 
و لا ننسى أنّ تجوال عبد الرحيم مع قطيعه على الحدود اللبنانية الفلسطينية وتطلّعه كل صباح عبر الأفق البعيد إلى تلك الأكمة العالية فيتخيل حبيبته صفد تربض عليها وتناديه عبر نسيمات تحمل عبق زهر الليمون. وهذا ما كان يؤجج في صدر عبد الرحيم حب بلده فلسطين. ولكن كيف السبيل إلى العودة والتحرير وهو لا يملك إلا هذه العصا التي يهش بها على غنمه. وتحقق حلم الفتى عندما دعاه صديقه خالد ليرافقه إلى معسكر الأشبال في مخيم عين الحلوه، حيث شاهد هناك كل ما كان يصبو إليه ويشتهي. لقد شاهد خلية من الفتيان الصغار يمارسون مهمات عسكرية أكبر من أعمارهم. فمنهم من يهرول ضمن فصيله رافعاً رأسه إلى الأعلى وكأنه يسعى إلى المجد عبر خطواته الرتيبة. ومنهم من كان يسبح، ومنهم من يتسلق الحبال، ومنهم من يرمى بالبنادق الحربية، ومنهم من يزحف تحت الأسلاك الشائكة وفوق رؤوسهم وابل من رشقات الرصاص الحيّ. وكان الجميع منهمكين في مهمات قتالية كأن الحرب ستقع غداً.
 
دخلت السعادة قلب الفتى، وفرح عبد الرحيم بما رأى، وتمنى أن يكون واحداً من هؤلاء الأشبال الميامين وبينهم. ولكن كيف له أن يحقق ذلك وهو المسؤول عن قطيع يرعاه يزيد تعْداده عن ستين رأساً. ورغم هذا دُبّر الأمر، وشرح لقائد المعسكر وضعه وبيّن له رغبته، وانتسب عبد الرحيم إلى معسكر الأشبال بدوام قصير ومكثّف. وارتاح فؤاد الفتى المتحمس، وعادت إليه مشاعر البطولة التي كان يتحلى بها يوم كان بطلاً على أقرانه في مدينة صفد. كان وقتها بطلاً خُلبيّاً يلاحق زملاءه في لعبة _أبطال وحرامية_ بلا سلاح. فكيف لا يصبح اليوم بطلاً حقيقياً وقد أصبح الآن له في معسكر الأشبال بندقية؟!
 
لقد حوّل عبد الرحيم مرعاه إلى ساحة قتال والمعركة بينه وبين قطيعه في حالة كرّ وفرّ. وغالباً ما يهشّ بعصاه على أغنامه، ويطاردها وكأنّه البطل صلاح الدين يجول في ساح حطين. وكثيراً ما كان يقف على دكّة عالية يلوّحُ بعصاه ويصرخ (تباً للعصا في ساحة الوغى وهنيئاً للرصاص إذا غنّى).

الصفحات