أنت هنا

قراءة كتاب غيض من فيض

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
غيض من فيض

غيض من فيض

قصص قصيرة من وحي النضال الفلسطيني؛ فحق العودة إلى فلسطين حق مقدس لا تمحوه الأيام ولا يموت.

تقييمك:
3
Average: 3 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 10
تركّز اهتمام أم سامي على تربية ابنتها فاطمة طالما أضحت تعيش في كنف أخيها المستعدّ دوماً لتقديم كل ما يلزم لأخته وولديها. كانت أم سامي حريصة على تعليم ابنتها إلا أن الظروف التي عاشتها في جنوبي لبنان وحالة الاضطراب التي سادت مع بداية النكبة حالت دون تحقيق رغبتها. والآن قد سمعت من الجيران أن وزارة التعليم السورية فسحت المجال لقبول الأطفال الفلسطينيين الذين تجاوزوا السابعة من أعمارهم ولم يسجلوا في المدارس الرسمية السورية بسبب ظروفهم الخاصة.
 
وأصدرت الوزارة السورية قراراً يتيح للأطفال المتخلفين عن التسجيل الدخول في مدارسها وقد هيأت لهم شُعَباً خاصة لاستيعابهم.
 
كان يوم الجمعة عندما كان الجميع في عطلة، وحرصت أم سامي أن تعرض فكرة تسجيل فاطمة في المدرسة بحضور أخيها أبي مصطفى وابنها عبد الرحيم. واحتدم النقاش بين الخال المعارض للفكرة وابن أخته الذي تحمّس لرأي أمه. وكان مع ضرورة الإسراع في التسجيل حتى لا تفوتها هذه الفرصة. بينما كان أبو مصطفى يفضّل بقاء ابنة أخته في مشغله الصغير ليعلمها مهنة الخياطة طالما تجاوزها قطار التعليم وأصبحت في العاشرة من عمرها. واحتدم النقاش بين الخال وابن اخته. وقال عبد الرحيم.
 
- إنت يا خالي ماتدخّلْشْ بأْمورنا.. هادي أختي وأنا وأمي حرّيْن بتحديد مستأبلها.
 
- ولَكْ يا ولَدْ... إحْنا عايشيْنْ لاجْئينْ ببلادْ الغربهْ.. إيش راح تفيدها المدرسهْ؛ فاطمهْ صارتْ صبيّهْ وكارْ الخياطهْ ما بخلّيهاشْ تحتاج مخلوءْ. كار الخياطهْ بيِسْترها.
 
- أنا أخوها ومسْؤول عنها وعن سِترْها وعن تعليمها ومِسْتأبلْها.
 
- أبلْ ما تفكر بتعليم أختك البنتْ الآصرْ علّم نفسكْ، وفّكرْ بمسْتأبلَكْ.
 
- وحياتَكْ يا خالي أنا بعلّمْ نفسي وبتْعلّمْ بمدرسة ليليْة بسْ إنْتْ بِِدّكَشْ تعلّمنا.
 
- إخرس يا ولدْ إنت صرْتْ أدْ الحمارْ مسؤولْ عن نفسك وأنا المسؤول عن أختي وبنتها
 
- هادي أمّي وبنْتها أُخْتي وإنت مسؤولْ عن مَرَتكْ ما بِخصّكْشْ فينا.
 
ووقعت الوقيعة بين الخال وابن أخته عندما انتهى النقاش بين الاثنين بصفع أبي مصطفى لعبد الرحيم وطرده من بيته. كانت فاطمة تبكي عندما حاولت أمها الوقوف بين أخيها وابنها. لكنّ الذي حدث لم يكن بحسبانها أبدا. لقد غادر عبد الرحيم بيت خاله، ولم يرعو لتوسلات أمه المغلوبة على أمرها. ضاقت الدنيا بعبد الرحيم. والتجأ إلى بيت زميل له ريثما يتدبر أمره. وفي الليل تواردت الأفكار وتزاحمت الصور في مخيلة الفتى الطموح، وشدّته الذكريات إلى ماضيه القريب وأجهش في البكاء وكان للدموع سحرها في جلاء صورة الماضي. تذكّر الحفرة التي اختبأ فيها يوم قُتلَ أبوه أمام ناظريه وهو يجابه الأعداء ويقارع الموت وحده، وتذكّر خروفه وكيف كان يلاعبه ويتبعه أينما ذهب، وكأنه بديل أمه التي ماتت وهي ترضعه، تذكّر كيف سطا الصهاينة الغرباء على الأرض والوطن وكيف طُردوا من بيوتهم، وتذكّر مآبر الشوك كيف استقرت في قدمه الحافية وهو يعدو وراء أمه الهاربة من الموت. تذكّر إسرائيل واشتراكها بالعدوان الثلاثي على مصر. تذكّر وتذكّر وتذكّر ثم قرر أن ينتقم من عدوّته اسرائيل – وعلى طريقته الخاصة – قررّ أن يتحدى إسرائيل وحده تماماً كما فعل أبوه قبله حين جابه الأعداء وحده. لقد قررّ اختراق حدود إسرائيل والعودة إلى بيته متحديّاً الدولة العبرية وجبروتها.

الصفحات