في زحمة الضخ الإعلامي الذي يعاني منه العالم اليوم والذي يتمركز في القبضة الأمريكية المهيمنة وبأقلام مزوريها وتصريحاتهم الباطلة، لا نعدم أصواتا يدفعها الواجب الإنساني والضمير الحي إلى الإدلاء بشهادات عدل عبر صحف ودوريات غربية منتصرة للحقيقة التي لا بد من جلا
قراءة كتاب شهود من أهلها
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
العسكريون المدنيون
أما ثاني قوة سياسية وراء حرب العراق فهي العسكريون المدنيون (أمثال دونالد رامسفيلد، ونائب الرئيس ديك تشيني) الذين سعوا إلى توسيع نطاق الإمبراطورية الأميركية لتصل إلى الخليج الفارسي وتعزيز موقعها الجيو- سياسي عن طريق القضاء على أكبر سند قوي، وعلماني، وقومي لحركة التمرد المناهض للامبريالية في الشرق الأوسط. لقد سعى العسكريون المدنيون لتوسيع القاعدة العسكرية الأميركية المطوقة لروسيا وتأمين السيطرة على احتياطي النفط العراقي بوصفه نقطة الضغط المهمة على الصين.
و كان العسكريون المدنيون أقل انجذابا لعلاقات نائب الرئيس تشيني السابقة بصناعة النفط، وأكثر اهتماما بدوره بصفته الرئيس التنفيذي لشركة تعاقد القاعدة العسكرية العملاقة التابعة لشركة هاليبرتون، وهي شركة كيلوغ براون وروت، التي تساند الإمبراطورية الأمريكية من خلال توسيع قواعدها العسكرية في جميع أنحاء العالم. و كانت شركات النفط الأمريكية الكبرى، التي تخشى تفوق منافسيها في أوروبا وآسيا، حريصة بالفعل على التعامل مع صدام حسين ، فيما كان عدد من مؤيدي بوش في صناعة النفط يشاركون في الاتجار غير المشروع مع النظام العراقي المحاصر اقتصاديا وتجاريا. ولم تكن صناعة النفط تميل إلى تعزيز الاستقرار في المنطقة مع اندلاع الحرب.
كانت استراتيجية العسكر الخاصة بالغزو والاحتلال تهدف إلى إقامة وجود عسكري استعماري طويل الأجل في شكل قواعد عسكرية إستراتيجية معززة بطواقم من المستشارين العسكريين الاستعماريين ووحدات قتالية مستدامة. وهو بذلك يكون احتلالا استعماريا وحشيا لدولة علمانية مستقلة ذات تاريخ وطني عتيد وبنية تحتية متقدمة ومتطورة، وأجهزة عسكرية وشرطوية كفوءة، فضلا على ما يتمتع به من خدمات عامة واسعة النطاق وجهود شاملة لمحو الأمية، أدت بطبيعة الحال إلى نمو حركات نضالية ومسلحة كبيرة تناهض الاحتلال.
في المقابل، وضع مسؤولون استعماريون أمريكيون، ووكالة المخابرات المركزية ووكالات الاستخبارات والدفاع إستراتيجية (فرق تسد) ]ما يسمى بـ ‘ حل السلفادور’ المرتبط بسفير ‘البقعة الساخنة’ السابق ومدير المخابرات الوطنية الأمريكية جون نيغروبونتي[ وإثارة الصراعات الطائفية المسلحة، وتعزيز عمليات الاغتيال بين الأطياف الدينية داخل البلد لإضعاف أي جهد يسعى لاستحداث حركة وطنية موحدة لمناهضة الامبريالية. أما تفكيك البيروقراطية العلمانية المدنية والجيش فكان من تصميم الصهاينة في إدارة الرئيس بوش لتعزيز قوة إسرائيل في المنطقة، وتشجيع ظهور الجماعات الإسلامية المسلحة، التي كان يقمعها النظام السابق (نظام صدام حسين البعثي). وكانت إسرائيل قد أتقنت مثل هذه الإستراتيجية في وقت سابق: فقد سبق لها فعليا أن رعت مجموعات إسلامية طائفية ومولتها مثل حماس بديلا عن منظمة التحرير الفلسطينية العلمانية ومهدت الساحة لاقتتال طائفي بين الفلسطينيين.
وكانت نتيجة السياسات الاستعمارية الأمريكية أن تقوم بتمويل ومضاعفة عدد النزاعات الداخلية من خلال دعم الملالي، وزعماء القبائل ورجال العصابات السياسية وأمراء الحرب، والمغتربين، ونشر فرق الموت. لقد خدم مفهوم (حرب الجميع ضد الجميع) مصالح قوات الاحتلال الأمريكية.
وأصبح العراق حاضنة للمسلحين، والشبان العاطلين عن العمل، ومن هذه الحاضنة تقرر أن يصار إلى تجنيد جيش جديد من المرتزقة. فيما وفر مصطلحا (الحرب الأهلية) و (الصراع العرقي) ذريعة للولايات المتحدة والنظام العميل في العراق للاضطلاع بتسريح مئات الآلاف من الجنود والشرطة والموظفين من عهد النظام السابق (وخصوصا إذا كان هؤلاء من الأسر السنية، أو المختلطة أو العلمانية)، و تقويض قاعدة عمالة المدنيين. و تحت غطاء مصطلح (الحرب ضد الإرهاب)، وجهت القوات الخاصة الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية فرق الموت لنشر الرعب داخل المجتمع المدني العراقي، واستهداف أي شخص يشتبه في أنه ينتقد الحكومة العميلة- وخاصة في أوساط المتعلمين والمهنيين، وتحديدا العراقيين القادرين إعادة بناء جمهورية علمانية مستقلة.