في زحمة الضخ الإعلامي الذي يعاني منه العالم اليوم والذي يتمركز في القبضة الأمريكية المهيمنة وبأقلام مزوريها وتصريحاتهم الباطلة، لا نعدم أصواتا يدفعها الواجب الإنساني والضمير الحي إلى الإدلاء بشهادات عدل عبر صحف ودوريات غربية منتصرة للحقيقة التي لا بد من جلا
قراءة كتاب شهود من أهلها
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 7
تدمير حضارة عربية حديثة
كان للعراق العلماني، المستقل منظومة علمية وثقافية هي الأكثر تقدما في العالم العربي، بصرف النظر عن الطابع القمعي لدولة صدام حسين البوليسية. وكانت هناك منظومة وطنية للرعاية الصحية، وخدمات سخية توفر التعليم العام، والرعاية الاجتماعية، فضلا على مستويات غير مسبوقة في موضوعة المساواة بين الجنسين. وهذا بمجمله ما ميز الطبيعة المتقدمة للحضارة العراقية في أواخر القرن العشرين.
كما سجل فصل الدين عن الدولة وتأمين الحماية التامة للأقليات الدينية (المسيحيين والآشوريين وغيرهم) تناقضا مع الصورة التي أسفر عنها الاحتلال الأمريكي وتدميره للبنى العراقية الحكومية منها والمدنية. لكن قسوة الحكم الديكتاتوري لصدام حسين وهيمنته بالتالي على حضارة حديثة متطورة في الميدان العلمي إلى حد كبير كانت تسير جنبا إلى جنب مع الهوية القومية المناهضة للامبريالية. وهذا ما أدى إلى أن تصطبغ عبارات الشعب العراقي ونظامه الحاكم بمعاني التضامن مع محنة الشعب الفلسطيني الرازح تحت الحكم الإسرائيلي والاحتلال.
إن مجرد (تغيير النظام) لم يكن كفيلا باستئصال هذه الثقافة الجمهورية العلمانية المتقدمة بوصفها ركيزة متأصلة في العراق. وكان مخططو حرب الولايات المتحدة ومستشاروهم الإسرائيليون يدركون تماما أن الاحتلال الاستعماري في العراق من شأنه أن يزيد الوعي القومي العلماني، ما لم يصر إلى تدمير الدولة العلمانية، وبالتالي، تبدأ القوة الامبريالية باقتلاع وتدمير ركائز الوعي القومي عن طريق التصفية الجسدية للمثقفين، والموهوبين، والعلماء لأن هؤلاء يمثلون العناصر الأشد ميلا للفكر العلماني في المجتمع العراقي. وأصبح النكوص هو الأداة الرئيسة للولايات المتحدة لفرض الحكومة الاستعمارية العميلة، ذات الولاءات البدائية، لما قبل فترة تكوّن الولاء الوطني، وتنصيبها في السلطة في بغداد التي جرى تصفيتها ثقافيا، بعد أن جردت من أطيافها الأسمى على الصعيد الاجتماعي القومي.
ووفقا لمركز دراسات الأهرام في القاهرة، جرى تصفية أكثر من 310 من العلماء العراقيين جسديا في خلال الثماني عشرة شهرا الأولى من الاحتلال الأمريكي – وهو رقم لم تشكك في صحته وزارة التربية العراقية.
فيما أورد تقرير مقتل أكثر من 340 مفكرا وعالما بين الأعوام 2005 و 2007. وتفجير معاهد تعود لوزارة التعليم العالي مما خفض عدد منتسبيها إلى 30 ٪ عما كانت عليه قبل الغزو. وفي انفجار واحد في شهر كانون الثاني/ يناير 2007، في جامعة المستنصرية ببغداد قتل سبعون طالبا وجرح المئات. هذه الأرقام دفعت منظمة اليونسكو إلى التحذير من أن النظام الجامعي في العراق على شفا الانهيار. وبلغ عدد الشخصيات العراقية التي هربت من العراق من علماء وفنيين قرابة العشرين الفا. ومن بين الـ(6700) أساتذ في الجامعات العرقية الذين فروا منذ عام 2003، ذكرت صحيفة لوس انجليس تايمز أن ( 150) منهم فقط عادوا بحلول تشرين الأول/ أكتوبر 2008. على الرغم من مطالبة الولايات المتحدة بتحسين الأمن، فقد شهد العام 2008 العديد من عمليات الاغتيال، بما في ذلك غاز الأعصاب في البصرة ثاني اكبر مدن العراق، مما أسفر عن امتلاء شوارع المدينة بالجثث.
إن البيانات الأولية حول الأكاديميين والعلماء والمهنيين العراقيين الذين اغتالتهم الولايات المتحدة وحلفاؤها من قوات الاحتلال والميليشيات وقوات الظل التي تسيطر عليها مأخوذة من قائمة نشرتها صحيفة باكستان ديلى نيوز ( www.daily.pk) في 26 نوفمبر 2008. هذه القائمة تخلق وضعا في القراءة غير مريح بالمرة في واقع التصفية المنهجية لمثقفين في العراق بوجود فرامة اللحم التي أدخلها الاحتلال الأمريكي إلى العراق.