في زحمة الضخ الإعلامي الذي يعاني منه العالم اليوم والذي يتمركز في القبضة الأمريكية المهيمنة وبأقلام مزوريها وتصريحاتهم الباطلة، لا نعدم أصواتا يدفعها الواجب الإنساني والضمير الحي إلى الإدلاء بشهادات عدل عبر صحف ودوريات غربية منتصرة للحقيقة التي لا بد من جلا
قراءة كتاب شهود من أهلها
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
الاغتيالات
تعد التصفية الجسدية لأي فرد عن طريق الاغتيال أقصى شكل من أشكال الإرهاب، الذي تكون له آثار بعيدة المدى وتتضاعف في المجتمع الذي ينتمي إليه الفرد نفسه- وهؤلاء الأفراد في هذه الحالة هم الذين يمثلون عالم مثقفي العراق، وأكاديمييه ومهنييه وقادة الإبداع في مجالات فنونه و علومه. وفي مقابل كل مفكر عراقي اغتيل، ثمة الآلاف من المثقفين العراقيين الذين فروا من البلاد أو تخلوا عن أعمالهم الحقيقية وبحثوا لهم عن أنشطة أخرى أوفر أمنا لأكثر أمانا ، وأقل تأثرا بالأحداث.
كانت بغداد بمثابة (باريس) العالم العربي، من حيث الثقافة والفنون والعلوم والتعليم. وكانت جامعاتها خلال سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته محط حسد العالم العربي. لذلك فقد أثارت حملة (الصدمة والرعب)- التي شنتها الولايات المتحدة على بغداد- مشاعر مماثلة لتلك التي أثارتها عملية قصف متحف اللوفر وجامعة السوربون وأكبر المكتبات في أوروبا. كانت جامعة بغداد واحدة من أعرق الجامعات وأكثرها إنتاجا في العالم العربي. وكان يحمل العديد من أكاديمييها درجة الدكتوراه ويساهمون إنتاج بحوث أصيلة لما بعد الدكتوراه لصالح مؤسسات مرموقة في الخارج. لقد درّست جامعة بغداد وخرّجت العديد من كبار العلماء والفنيين في الشرق الأوسط.
حتى في ظل القبضة المميتة للولايات المتحدة/ والأمم المتحدة اللتين فرضتا عقوبات اقتصادية جائرة جوّعت العراق طيلة 13 عاما سبقت الغزو في مارس/ آذار 2003، كان يؤم العراق آلاف الطلبة الخريجين والفنيين الشباب للتدرب على الدراسات العليا. كما كان يتلقى الأطباء الشباب من جميع أنحاء العالم العربي تدريبات طبية متقدمة في مؤسساته. كما قدم العديد من أكاديميي العراق في تلك المدة بحوثا علمية ودراسات في مؤتمرات دولية رئيسة، نشرتها مجلات مرموقة. الأهم من ذلك، أن جامعة بغداد كانت تدرب وفي الوقت نفسه تحافظ على درجة عالية من احترام الثقافة العلمية العلمانية خالية من التمييز الطائفي- بجهود أكاديميين من مختلف المشارب والخلفيات العرقية والدينية.
لقد تحطم هذا العالم إلى الأبد: ففي ظل الاحتلال الأمريكي، وحتى شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2008، جرى اغتيال ثلاثة وثمانين أكاديميا وباحثا من التدريسيين في جامعة بغداد، فاضطر عدة آلاف من زملائهم، وطلبتهم، وأفراد عوائلهم للفرار إلى خارج العراق.