في زحمة الضخ الإعلامي الذي يعاني منه العالم اليوم والذي يتمركز في القبضة الأمريكية المهيمنة وبأقلام مزوريها وتصريحاتهم الباطلة، لا نعدم أصواتا يدفعها الواجب الإنساني والضمير الحي إلى الإدلاء بشهادات عدل عبر صحف ودوريات غربية منتصرة للحقيقة التي لا بد من جلا
قراءة كتاب شهود من أهلها
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
فقد كانت الولايات المتحدة و مستشاروها الإسرائيليون يدركون تماما أن المسيحيين في العراق قد لعبوا دورا رئيسا في التنمية التاريخية للحركات العلمانية والقومية المناهضة للبريطانيين والنظام الملكي، لذلك لم يكن استهدافهم والقضاء عليهم بوصفهم قوة مؤثرة خلال السنوات الأولى من الاحتلال الأميركي مجرد حادث طارئ. وكانت نتائج سياسات الولايات المتحدة تهدف إلى القضاء على أبرز قادة حركات الديمقراطية العلمانية المناهضة للامبريالية وطرح شبكتهم من شركائهم القتلة ضمن (الفئات الإثنية والدينية) بوصفهم (شركاء) بالتزكية في إدامة الوجود الاستعماري الأمريكي طويل الأجل في العراق. ويمكنهم بوجود عملائهم في الحكم، اعتماد العراق نقطة انطلاق لتحقيق مصالحهم الإستراتيجية الأخرى ضمن مخطط لعبة (الدومينو) ويقصد به (سوريا وإيران وجمهوريات آسيا الوسطى…).
لقد أدت التصفيات الدموية المستمرة في العراق في ظل الاحتلال الأمريكي إلى مقتل 1.3 مليون من المدنيين العراقيين خلال السبع سنوات الأولى التي أعقبت غزو بوش في آذار / مارس 2003. وحتى منتصف عام 2009، فإن غزو العراق واحتلاله كلّف الخزينة الأمريكية رسميا ما يزيد على 666 مليار دولار. وهذه النفقات الهائلة تؤكد بما لا يقبل شكا على أن دور غزو العراق واحتلاله هو دور محوري ضمن الإستراتيجية الامبريالية الأمريكية الأكبر لكامل منطقة الشرق الأوسط ومنطقة جنوب ووسط آسيا. أما سياسة واشنطن في تسييس وعسكرة الخلافات العرقية والدينية، وتشجيع القبائل المتناحرة وتسليحها، وزج زعماء الطوائف الدينية والإثنية في إراقة دماء متبادلة كل ذلك أسهم في تدمير الوحدة الوطنية والمقاومة.
وتعد تكتيكات سياسة (فرق تسد)والاعتماد على المنظمات الاجتماعية والدينية الرجعية الممارسة الأكثر شيوعا وذيوعا في مسعى غزو وإخضاع أي دولة قومية، موحدة ومتطورة. وكان يتطلب تقسيم الدولة الوطنية، وتدمير الوعي القومي في صفوف جماهيرها و تشجيع الولاءات الإثنية والدينية، الإقطاعية والإقليمية البدائية، كان يتطلب تدميرا منهجيا لمنابع الوعي القومي، والذاكرة التاريخية، والفكر العلمي،العلماني.
وتسببت إثارة الكراهية الدينية والعرقية في تدمير المجتمعات المختلطة والتي يكون الزواج فيما بين فئاتها أحد أبرز روابط توحدها، وكذلك تدمير المؤسسات بكل ما انطوت عليه من سنوات طويلة من الصداقات الشخصية والعلاقات المهنية بين مختلف المشارب والخلفيات. وكانت التصفية الجسدية للأكاديميين والكتاب والمعلمين والمثقفين والعلماء والمهنيين، وبخاصة الأطباء والمهندسين والمحامين ورجال القانون والصحافيين عاملا حاسما في فرض سيادة الفئات الإثنية والدينية في ظل الاحتلال الاستعماري. وبهدف إقامة علاقات طويلة الأجل وإدامة هيمنة زعماء الفئات الإثنية والدينية العملاء، كان لا بد أن تقوم الولايات المتحدة وحكومة العراق العميلة لها بتدمير الصرح الثقافي الذي كان قائما قبل الاحتلال، والذي كان السبب الرئيس في دوام الدولة القومية العلمانية المستقلة.
وقد شمل ذلك تدمير المكتبات ومكاتب الإحصاء، ومستودعات سجلات الممتلكات و المحاكم جميعا، والإدارات الصحية والمعامل والمدارس والمراكز الثقافية، والمرافق الطبية، وقبل هذا وذاك تدمير كامل طبقة المهنيين في الميادين العلمية والأدبية والإنسانية والاجتماعية. فاضطر مئات الآلاف من المهنيين العراقيين وأفراد عوائلهم إلى الهجرة الداخلية أو الخارجية بسبب الخوف والذعر. وتوقفت في الحال الموارد اللازمة لتمويل المؤسسات الوطنية العلمانية، و العلمية والتعليمية. وانخرطت فرق في عمليات القتل المنهجي لآلاف الأكاديميين والمهنيين؛ فيما جرى إبراز وتمييز من ليست لهم قدرة على إعادة بناء الجمهورية.