أنت هنا

قراءة كتاب الرواية والمكان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الرواية والمكان

الرواية والمكان

جمعت كتبي الثلاثة،" الرواية والمكان" الجزء الأول الذي صدرفي شباط عام 1980والجزء الثاني من "الرواية والمكان" الذي صدر مطبوعاً في مجلة آفاق عربية العدد الرابع - حزيران 1980، ثم طبع ضمن الموسوعة الصغيرة عام 1986 وكتاب" المكان في قصص الأطفال" الذي صدرعام 1986،

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 6
واختلاف الإحساس بالمكان من رواية لأخرى سواءً كانت هذه الروايات ضمن فترة معينة أم لعدة فترات، وسواءً كانت لكاتب واحد أم لعدة كتاب، تعكس مدى التباين في طرق التناول، وفي درجات انعكاس الأحداث الاجتماعية على الفنان. في مثل هذا التباين تتشكل الصورة التخطيطية لما يدور في رحم المجتمع وفي وعي الكتاب، أن رواية تجمع بين الريف والمدينة في فترة نهوض البرجوازية الوطنية وتشربها بالأفكار إصلاحية ديمقراطية- اليد والأرض والماء 1948- لذنون أيوب تعكس مدى الطموح لدى هذه الطبقة الصاعدة في تحويل الأفكار المجردة إلى واقع ملموس يراه الناس ويتلمسه القادة. ورواية تقف معطياتها على أبعاد مكانية منعزلة موجودة داخل المدينة وموزعة بين غرف للسكن وأخرى للعمل وثالثة للهو- خمسة أصوات- لغائب طعمة فرمان تعطيك انطباعاً عن عزلة نفسية متشربة بحس ثقافي ذاتي وموقف وطني، كما تعكس خلفية اجتماعية لحب الامتلاك، والميل نحو النزعة الاستهلاكية في السكن وفي العمل. ورواية ينتمي المكان فيها، إلى الماضي القريب يتخذ شكل المدينة النامية، رغم بقاء الإطار الشعبي له- النخلة والجيران- لغائب طعمة فرمان تشعر به مكاناً يختزن التاريخ وينبئ بالجديد المتطور، وما التغيرات التي طرأت عليه، كانت تطرأ كذلك على نفسية الشخوص، ومنحاهم الفكري، وطريقة حياتهم، وحتى مفرداتهم الكلامية.. فعكست بذلك تاريخاً من التحولات، وأعطت قيمة ليس بطريقة عرضها للأحداث، وإنما بفرزها لفئات اجتماعية كان موقفها واضحاً من الحرب والاستغلال.
 
أن أموراً كثيرة أعلقها على المكان، الذي أجد فيه المجال الذي لا يتم شيء بدونه. وإذا تطرقت إلى أهم الأبعاد الاجتماعية الفكرية الكامنة فيه، فثمة الجانب الفني الذي يحيل عمل أي كاتب إلى رماد أو فنار.
 
* * *
 
لقد أغنت تجربة الروائي العراقي بما عاشه وشاهده وقرأه من تاريخ بلاده، إلا أن هذا الاغتناء بقي ضمن حدود التعامل الخارجي. ولم يتغلغل بعد إلى جوهر العلاقة بين التاريخ والمكان، إلا في الحدود الدنيا. وتعكس مثل هذه الحالة قضية مهمة أن فن الرواية لا ينتعش في ظل الاحتراز من الماضي: العلني منه والمخفي، ولن ينمو كما نريد من أن يكون في ظل الخوف من القول الصدق والرأي الواضح- رغم أن بعض الروايات عكست مثل هذا الوضع- إلا أنها جاءت وهي مغلبة للجانب الفكري على الجانب الفني.
 
ولو تذكرنا تجربة الشعر الحديث وكيف نمت في أواخر الأربعينات وتطورت في الخمسينات، حتى أصبحت حركة متميزة في الثقافة العربية اليوم. من أنها لم تصبح بهذه الشعبية الثقافية إلا بعد أن تغلغلت في روح الشعب، وفي روح التاريخ، وإلا بعد أن مدها المجتمع برؤيته الفياضة، وإمكاناته الثرة.. الرواية العراقية لن تكون شعبية، وذات منظور فكري إلا متى ما جعلت الحياة كلها مادة لها. وما يخص الأمر بالمكان، لن تجد الرواية مكانها الصحيح، إلا متى ما فهمت تاريخه.. أقول ذلك، والقارئ اليوم، لا يجد ميلاً واضحاً لدى القلة من الروائيين إلى الاعتناء باختيار المكان التاريخي .

الصفحات