جمعت كتبي الثلاثة،" الرواية والمكان" الجزء الأول الذي صدرفي شباط عام 1980والجزء الثاني من "الرواية والمكان" الذي صدر مطبوعاً في مجلة آفاق عربية العدد الرابع - حزيران 1980، ثم طبع ضمن الموسوعة الصغيرة عام 1986 وكتاب" المكان في قصص الأطفال" الذي صدرعام 1986،
أنت هنا
قراءة كتاب الرواية والمكان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
احتلته وأضافت أليه، وأن تحس أنك في مكان له صلة بروحك وتاريخك وتكوينك الاجتماعي فعندما نقرأ رواية المكان فيها له سمة تاريخية لا يعنينا عدد جدرانه وغرفه وبلاطا ته وأبوابه إلا بقدر ما تداخلت به كل هذه الأجزاء في صلب العمل. وإذا كان المكان على الأرض أو في الواقع لا يوحي لنا إلا بخطوط عامة، وبمعلومات أعم، فأن المكان في الرواية يحيل تلك العمومية إلى خصوصية متميزة، أننا قرأنا زوربا، ولكن قرأنا كريت والبحر والعادات والحرب والقلاع والسكان التاريخيين، قرأنا الأخوة كرمازوف، ولكن قرأنا البيوت الروسية القديمة المنعزلة، والتي تشكل المسافة بينها جزءاً من روح إقطاعية، قرأناها بظلامها وأبهتها ونكهتها وبنائها، وشكلها ولونها، وكلنا يتذكر فعلة- الأمير مشيكين- في" الأبله" وهو يحيل حفلة عرس إلى مأتم، كانت أجزاء المكان التي حطمها بمثابة الدلالة على شخصية ذلك الكيان الأرستقراطي، هل تتذكر قلاع هاملت ملك الدنمارك، كيف تتحول إلى سحر وشعر ولغة وتكوين، الحياة الدفينة، كيف تتحول إلى سحر وشعر ولغة وتكوين، الحياة الدفينة التي اختزنتها الصخور والبلاطات واقتضتها الألوان وعلقتها الأضواء في السقوف أو خلف الأبواب، حياة الماضيين والآتين ما هي إلا الكيان الخاص والمتميز لمكان دون آخر، ولفترة دون أخرى. هل نتحدث أذن عن خلق الواقع من جديد؟ إذا كان ذلك ممكناً فلا يصح أن نغفل ما يختزنه المكان من إمكانية لهذا الخلق.
هنا لا يصح أن نتساءل أي الأماكن أكثر فائدة للعمل الروائي، وأيهما أقل صلاحية. أن مثل هذا التقسيم يقودنا إلى أسكولائية"مدرسية" مقيتة وإلى نظرة جامدة للتاريخ وللزمن وللأحداث. والعملية الفنية لم تشهد مثل هذا التبسيط، وأن حدث وأحتوى العمل على مكان مألوف ومعروف ويكون خارج العمل أكثراً حضوراً منه داخله، أعطى دليلاً على فشل ذلك العمل. ولا يكفينا الاختيار الحسن مغبة الزلل الفني، كما لا تنهض خصوصية المكان تلك الإنشائية والأوصاف العامة. فثمة من يعتقد أن المحلات الشعبية أكثر من سواها قدرة على فرز الخصوصية. وثمة من يعتقد عكس ذلك. فالكليات والمحلات العامة ذات السكنى المؤقتة قادرة على إعطاء تلك الخصوصية، أن الاعتقادين صحيحان، ولكن ثمة فرق من ينظر إلى طريقة غائب طعمه فرمان وهو ينهض تاريخاً من خلال محلة شعبية في النخلة والجيران، وبين طريقته في خمسة أصوات وهو ينقل شخوصه من مكان إلى آخر، الإحساس بالمكان عند غائب كان في النخلة أقوى، ولكن نوعية الشخوص في خمسة أصوات جعلته يختار مكاناً آخر.