ارتبطت الدعوة، وربما التبشير من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، بظهور النظام العالمي الجديد، بتاريخ انتهاء الحرب الباردة، وتفكك الاتحاد السوفياتي، وذلك من خلال إعادة صياغة مفهوم العلاقات الدولية، ومحاولة تنظيمها في مختلف المجالات السياسية، والاقتصادية، والع
أنت هنا
قراءة كتاب الأبعاد الإستراتيجية للنظام العالمي الجديد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
ولقد اُعتمد هذا القرار نتيجة لهزائم قوات الاحتلال التي اضطرت تحت ضربات المقاومة الشرسة إلى التلويح بشعارٍ كاذب وخادع، في محاولة من الولايات المتحدة الأمريكية للخروج من المستنقع العراقي الذي وضعتها فيه المقاومة العراقية الباسلة.
إن ذلك التأريخ مهم جدًا في مسألة (نقل السيادة للعراقيين)، مما سيصبح معه للعراق (حكومة ذات سيادة)، ولن تكون هناك قوات احتلال، بل ستكون هناك (قوات متعددة الجنسيات)، موجودة بطلب من هذه الحكومة لمساعدتها على محاربة الإرهاب، وحفظ الأمن، ... إلخ.
بل إن هذه الحكومة ذات السيادة بحسب بوش طبعًا (بإمكانها) متى أرادت ذلك أن تطلب من هذه القوات مغادرة العراق فورًا تجسيدًا لسيادتها(19).
ومعلوم أن مجلس الأمن قد أصدر تلك القرارات دون موافقة الدول المعنية، صاحبة الشرعية (نظريًا) في اللجوء إلى هيئة الأمم المتحدة في حال الاعتداء على سيادتها، أو احتلال أراضيها، وعادة ما يتم وضع مشروعات تلك القرارات بمبادرة أمريكية، أو فرنسية، أو بريطانية، أو منهم جميعًا، وتأتي ضد الموقف الرسمي للدول من خلال تصريحات يدلي بها ممثليها الشرعيين الدستوريين، المعترف بهم من مجلس الأمن الدولي نفسه.
إذن، ثمة مشكلة مبدئية تتعلق بحدود صلاحية مجلس الأمن حين تصل تلك الصلاحية، إلى حد اتخاذ قرارات تعسفية بحق شرعية سيادة الدول على أراضيها، فهذه القرارات تمثل سابقة نادرة على انتهاك ميثاق الأمم المتحدة، الذي يُخضع موضوع ممارسة السيادة من حيث المبدأ إلى دساتير الدول، وسياساتها الداخلية، وإدارات ممثلي شعوبها، وليس لهيمنة مجلس الأمن.
ومن ثم فليس من حق مجلس الأمن ولا من اختصاصاته، الحلول مكان الدول، أو استلاب صلاحياتها الدستورية منها، ومن شأن تدخل المجلس بهذه الصورة أن يؤدي إلى فوضى عالمية، وإلى هيمنة قبضة من الدول الكبرى على مصائر الشعوب(20)، وبالتالي إسقاط منظمة الأمم المتحدة، وميثاقها الذي يحظى بالإجماع العالمي، ويجعل من موضوع سيادة الدولة، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية شرطًا للعلاقات الدولية.
ومهما يكن من أمر، فإن قرارات مجلس الأمن في ظل النظام العالمي الجديد تتناقض وبوضوح مع ميثاق الأمم المتحدة بشأن سيادة الدول، وللأسف فإنه ينص في كلٍّ منها على مبادئ تستند على هذه الوثيقة الدولية، ويبني على ذلك موقفه وحيثياته وتبريراته، ولكنها في الحقيقة قائمة على ما يسود من موازين القوة في العلاقات الدولية، وإلى الفوضى البنّاءة التي لا تترك مسوغًا لبقاء هيئة الأمم المتحدة، وتجعل منها هيئة عليلة، وميثاقها أضحوكة أو مهزلة دولية.