ارتبطت الدعوة، وربما التبشير من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، بظهور النظام العالمي الجديد، بتاريخ انتهاء الحرب الباردة، وتفكك الاتحاد السوفياتي، وذلك من خلال إعادة صياغة مفهوم العلاقات الدولية، ومحاولة تنظيمها في مختلف المجالات السياسية، والاقتصادية، والع
أنت هنا
قراءة كتاب الأبعاد الإستراتيجية للنظام العالمي الجديد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 10
المظهر الثاني:
مأزق التدخل الإنساني، أو التدخل لأجل حقوق الإنسان:
يعد من المبادئ الراسخة في القانون الدولي العام، بل ومن القواعد الآمرة في هذا الأخير، مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهذا المبدأ يوحي للوهلة الأولى بأنه لا يجوز التدخل في أي مسألة، طالما أنها شأن داخلي لدولة ما، فما مدى تطبيق هذا المبدأ في ظل النظام العالمي الجديد؟
لا يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة لخرق هذا المبدأ باسم الشرعية الدولية، كما هو الشأن في خرق السيادة الوطنية واستباحتها.
حيث إن "الحق في"، أو "واجب التدخل"، يحتل اليوم اهتمامًا بالغًا لدى دعاة النظام العالمي الجديد، بل إنه منذ فترة من الزمن تجاوز الإطار المحدود للدوائر الدبلوماسية، والأوساط الأكاديمية، لينتشر عبر وسائل الإعلام في تسمياتٍ شتى، كالتدخل الإنساني، والتدخل لأسباب إنسانية، ومن أجل احترام حقوق الإنسان، ...
لقد أصبح المصطلح أشبه ما يكون بـ (موضة) هذا النظام العالمي، فماذا يعني بالتحديد؟
ومحاولة لإلصاقه بالقانون الدولي، صرح مارك آيسكنز عندما كان وزير خارجية بلجيكا، صبيحة إصدار مجلس الأمن قراره رقم (688)، الخاص بالوضع الداخلي في العراق: (نحن في لحظة انتقالية بالنسبة للقانون الدولي، والعلاقات الدولية، ... إنه انطلاقًا من قانون مُجدد يمكننا أن نفسر التدخل على أنه "حق"، بل وأيضًا على أنه "واجب")(21).
بل إن وسائل الإعلام مؤخرًا قد نعتت قرار مجلس الأمن رقم (794)، الذي يسمح للدول باللجوء إلى كل الوسائل الضرورية لضمان وصول المعونة الإنسانية للصومال بأنه: (تحقيق ملموس للحق في التدخل الذي لم يحصل على صيغة قانونية محددة في أي مكان)(22).
وفي هذا الصدد فإن القانون الدولي التقليدي، الذي أُسس على أن يعطي لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأولوية على كل تصرفٍ قانوني دولي، سيصبح غير ملائم للاهتمام الجديد الذي يشغل بال المجتمع الدولي، وإن ما كان سائدًا في العلاقات الدولية من احترامٍ لسيادة الدولة، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، هو وليد المرحلة الثنائية القطب، والحرب الباردة، وأن ذلك يتجه نحو الاختفاء (في ظل النظام العالمي الجديد)، ليحل محله الحق في التدخل، الذي سيكون عمومًا لكل الدول في حالة الانتهاك الخطير لحقوق الإنسان(23)، ومأساوية الوضع الإنساني، في أي مكان يحدث ذلك، ولا يمكن للحدود الوطنية أن تقف عقبة في وجه المساعدة الإنسانية، التي أصبحت ذات بُعد كوني.
وفي هذا الإطار يمكن التوكيد على ما يلي:
- القانون الدولي يُجبر مجمل الدول على أن تنشئ وتحافظ على نظام إنساني دولي، وهي فكرة متضمنة أصلاً في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1945(24).
- لا يمكن اعتبار المساعدة الإنسانية تدخلاً لأنها تترجم احترامًا للالتزامات العامة في مجال حقوق الإنسان، أكثر منه استنادًا أو انتهاكًا للقانون الدولي.
- هذه المفاهيم العامة قد تم تطبيقها بواسطة أجهزة منظمة الأمم المتحدة في أوضاع انتكاب سكان ضحايا لصراعات، أو لكوارث طبيعية، أو في زمن الحرب.