كتاب "إنهيارات رقيقة" للصحفي والكاتب الفلسطيني هشام نفاع، هو بأكورة أعماله الأدبية الصادرة عن دار "راية للنشر والتوزيع" في مدينة حيفا، هو كتاب يحوي تساؤلات يكثر فيها العمق والبعد الفلسفي من خلال "جداد" ربما يكون حقيقًا وربما وهميًا.
أنت هنا
قراءة كتاب إنهيارات رقيقة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
وبالفعل، تحت وطأة العبء المترتّب على مجرد ذكر «روح العصر»، ولأن المساء ابتعد كثيرا عن ساعات العصر وبدأ يلامس جسد منتصف الليل بغير قليل من الإغواء، فقد تشكل لدى جدّاد التبرير الأفضل ليقول للزوج الناصح (من نصيحة وليس نصاحة، مع أن الحمل فعل بالصديقة فعله): شكرًا يا جماعة (مع انهما 2 فقط) وتصبحون على خير.
نزل جدّاد الدرجات متمهلا، اجتاز باب العمارة وهمّ بقطع الشارع حين اهتزّ رأسه بصعقة من التنبّه الفجائي.
فوسط الشارع الذي أظلم اليوم أكثر من العادة ظهر نور فضيّ اللون غامض الهيئة وبداخله ما يشبه الملامح المتفكّكة لوجه آدميّ ضخم راح يتحرك بعرض الشارع عند التواءة حادّة قرب شارة وضعتها البلدية كي تنذر السائقين بالحذر والتمهّل، وقد شكلت مفصلا عند بداية الشارع الذي بدا لجدّاد التائه الحواس لحظتها كما لو أنه يخرج من الماضي وهو يمخر عباب المستقبل عبر تتمـّته المنسابة بسواد إسفلتيّ ناصع، قِدَمًا والى الأمام.
لحظة طويلة كالدّهر جمّدت جسد جدّاد وتفكيره اللذين تداخلا في كتلة صلدة غائمة من انعدام الحيلة، فغابت معضلة ثنائية الوعي والجسد وسقطت عن أجندة البشر بالضربة القاضية، كما يحدث في قتال كاراتيه أو مصارعة حرّة أو كنجاح لم يتوقـّعه أعتى عتاة الإلحاد الواعي ممّن لا يخوضون مسألة هذه الثنائية من أصلها.
سهامٌ حادة من الخوف تصاعدت من بطنه فاصطدمت بشلالات الدهشة الساقطة من رأسه لتؤلـّفا معـًا جلبة شديدة الوقع راحت تدقّ أذنيه من الداخل، فلم يعد يميّز بين هذه الأصوات المنكرة التي راحت تقرع كالطبول خلف طبلتي أذنيه.
حين وصلت عيناه مبلغًا لم يعد فيه بوسعه توسيع حدقتيهما أكثر، تململ وخطا بنصف خطوة الى الوراء فتعثـّر وكاد يسقط لولا أنه قبض غريزيًا على حديد السور المحاذي للحديقة الضيقة المحيطة بالعمارة، لكن صوتًا رتيبًا خشنًا حلّ عليه كما لو انه يخرج من عمق حنجرة حديدية ضخمة واستوقفه آمرًا بحزم:
إقتربْ. هيـّا اقتربْ!
مصيبة!