أنت هنا

قراءة كتاب إنهيارات رقيقة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إنهيارات رقيقة

إنهيارات رقيقة

كتاب "إنهيارات رقيقة" للصحفي والكاتب الفلسطيني هشام نفاع، هو بأكورة أعماله الأدبية الصادرة عن دار "راية للنشر والتوزيع" في مدينة حيفا، هو كتاب يحوي تساؤلات يكثر فيها العمق والبعد الفلسفي من خلال "جداد" ربما يكون حقيقًا وربما وهميًا. 

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 8
حين كان بمحاذاة الجرّار الزراعي تصاعدت فجأة خشخشة خشنة مزّقها صوت صارخ رتيب مُفزع جعله يطلق صرخة «يمّا.. دخيلك..» عالية رنّت لشدتها في قلب أذنيه نفسه.
 
لقد سمع فمه يصرخ في أذنيه وكأن لسانه انفصل عنه، فهاله الأمر.
 
بنظرة متأملة، سيظلّ من الصعب تحديد الموقف بشأن سرعة حركة جدّاد: هل فاقت دقـّات قلبه قفزات قدميه، أم أن قدميه كسرتا وتيرة إيقاع نبضه وهما تتسارعان بخفّة أرنب برّي رأى منيـّته تنقضّ عليه، أم أن هذه وتلك معًا لم تنافسا سرعة لهاثه المتحشرج.. لكننا نعلم أنه ركض وركض ووقع أرضًا وقام وقفز ونطّ وهرول دون وجهة مع أن قدميه قادتاه الى برّ أمان البيت الذي كان لا يزال عامرًا بسهرة أسرته التي انضمّ اليها بعض الجيران.
 
ويا له من أمان.
 
والآن: رغم مرور حوالي العقدين من الزمن على تلك الليلة المشهودة، لم يتخلـّص لليوم مما جرى. فحتى الآن لا يمكن لنا ولا لجدّاد أن نحدّد مصدر ذلك الصوت المرعب الذي جعل جسده يفقد السيطرة فيطير بذراعيه وقائمتيه مرفرفـًا من وجه الموت الزؤام كعصفور أرضي يفرّ ناجيًا من افتراسة دموية محتومة.. حتى جاءه ما جاءه الآن.. وبالذّات بعد سهرة حميمية دافئة مع زوج أصدقائه، حتى تكتمل الدراما!
 
كان الصوت الحازم لا يزال يرنّ في المساحة المتفجّرة بين صدغيه:
 
«إقترب!».
 
«هيّا.. اقترب!»..
 
هناك ملاحظة نقلتها لاحقـًا مصادر موثوقة طلبت عدم الكشف عن هويتها ادّعت: إن السؤال عما إذا كانت تلك التداعيات من سنوات جدّاد التسع الأولى قد اقتحمت دماغه بالفعل في لحظة الفزع الراهنة، هو سؤال صعب. ولكنه قد يكون عاش حينها لحظة من الموت التي يُقال إن الشخص يستعيد فيها شريط حياته. وبما أنه لم يعش موتًا مكتملا فقد ظل الشريط، الذي يُفترض أنه استعاده، غير مكتمل أيضًا، وبالتالي فلم يعد الى ذاكرته سوى أكثر ما يشبه لحظة شبه الموت خوفًا التي يعيشها الآن..
 
ويا لهول أن تعيش «شبه الموت».. لا تعود حيًا لكنك أيضًا لا تموت. فأين تكون لحظتها؟

الصفحات