كتاب "إنهيارات رقيقة" للصحفي والكاتب الفلسطيني هشام نفاع، هو بأكورة أعماله الأدبية الصادرة عن دار "راية للنشر والتوزيع" في مدينة حيفا، هو كتاب يحوي تساؤلات يكثر فيها العمق والبعد الفلسفي من خلال "جداد" ربما يكون حقيقًا وربما وهميًا.
أنت هنا
قراءة كتاب إنهيارات رقيقة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
الهارب الذي وجد نفسه يثير الهلع
الصوت واضح لا مجال للتشكيك في مفرداته: إقتربْ. هيـّا اقتربْ!
نظريًا، وقفتْ أمامه احتمالات قليلة، مع العلم أنه أبعد ما يكون عن القدرة على إعمال العقل التحليلي واتخاذ القرار بأن «هذا هو سبيلي الآن لأنه الأفضل والأجدى لسلامتي أو صراعي مع الأضداد التي بي تتربّص». فهو كان على غير وعي بأن التفكير هو منفذه، ولم يكن بإمكانه أبدًا المراوحة ولو للحظة تأمّل واحدة بين ما يمليه عليه الهلع وبين ما تتطلبه الارادة وبين ما يستوجبه العقل. لذلك فقد علق غريزيًا على حافة واحدة بين سقوطين، إما أن يتقهقر راجعًا نحو باب العمارة أو يركض بعيدًا في الشارع، وإما أن يذعن راضخًا للأمر الرتيب بالاقتراب من ذلك المخلوق المرعب. وهكذا وجد نفسه متجمّدًا في مكانه، مما كان يمكن أن يجعله يستحضر احتمالا جديدًا: لربما أن كلّ ما أراه هو مجرد وهم وخدعة بصر؟
يجب القول هنا إن هذا الاحتمال سيظلّ ضعيفًا، وحتى لو راوده، فقد جاء من باب الإنكار الجبان أو الضعيف على الأقل، وليس بفعل إشراقة من منطق فجائي استعاد به جدّاد رشده بعكس كل الاحتمالات وهو على هذه الحال التي لا يحسده عليها أحد.
على كلّ حال، فما هي إلا لحظات حتى عاد كل شيء الى مكانه، خاصة عندما ظهرت أنوار دراجة نارية صغيرة (حجم 25 سم مكعب) وقد جاءت مسرعة من جهة تلك الناحية المرعبة بالذات.
وكالغريق الذي يتعلـّق بأول قشة، استأنس جدّاد بالدراجة، وفي نفس اللحظة التي تقاطع فيها مرورها مع بوابة خروجه، هرول خلفها في الشارع لا يلوي على شيء ويكاد يسمع مقطوعات موسيقى النجاة السينمائية التي ترافق انفكاك أزمات الرهائن الهاربين من احتجازهم نحو الحرية، فظنّ راكب الدرّاجة أن هناك من خرج له من مكمن، وبه أراد شرًا، فتوجّس وضاعف سرعته لتجعر الآلة بصوت مُنكر كان سيُصنـّف في خانة ما يبدر عن صحب إبليس اللعين لو أنه وقع على أسماع أيّ من أوليائنا الصالحين في عهد جديد أو قديم.
تسارعت دواليب الدرّاجة وبموازاتها كانت ساقا جدّاد (بحذائه الرياضي) تطلقان العنان لعضلاتهما، فانبرى هذا الجسد المفزوع يشقّ عباب الليل وكأنه سهم انطلق من قوس مشدود بيد بطل ملحمي أشوس.